289فيها، فكانت هذه التبعيّة من غير تدبّر، وقد عبّر القرآن الكريم عن حالهم هذه في آيات كثيرة منها قوله تعالى في سورة المائدة: «وَإِذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّٰه وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ» 1، وفي سورة الأعراف: «وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْها آبَاءنَا. . .» 2، وفي سورة لقمان: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّٰه قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ» 3.
فكانوا يرتعون في جاهليتهم الجهلاء، لا يصغون لكلمة الخلاص التي جاءهم بها سيّد الخلق صلى الله عليه و آله: قولوا لا إله إلا اللّٰه تفلحوا.
وفي هذا المجتمع الحنيفي المنشأ في عقائده، حصلت تغيّرات عديدة في مسائل العبادة والعقائد، نتجت عن تباعد الزمن عن الحنيفية، وقد جرّ هذا التباعد بالتالي إلى ظهور عبادة الأصنام التي كانت السبب في إطلاق لفظ الجاهلية عليه كما سيأتي لاحقاً، وكان سبب العبادة لها التقليد على الأكثر، حتى عندما تكلّموا عن نشوء هذه العبادة في مجتمع مكة على يد عمرو بن لحي الخزاعي قالوا: إنه جاء بها من نواحي الأردن، وسيأتي الكلام فيه تحت عنوان مستقل، وقيل عن عمرو هذا إن العرب حين غلبت خزاعة على البيت ونفت عنه جرهم جعلت منه ربّاً، لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة، لأنه كان يطعم الناس ويكسو في الموسم فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة وكسا عشرة آلاف حلة 4.
والنتيجة أن القوم وجدوا آباءهم على هذا الأمر فتبعوهم بلا تدبّر، وكانت تظهر نتائج التدبر في بعض الأحيان عند التأمّل في حال هذا المعبود، وقصّة صنم عمرو بن الجموح التي رواها ابن هشام تدلّك على حالهم في ذلك وإليك القصة: