290قال ابن هشام في سيرته: كان عمرو بن الجموح سيداً من سادات بني سلمة وشريفاً من أشرافهم، وكان قد اتخذ في داره صنماً من خشب يقال له: مناة، كما كانت الأشراف يصنعون، تتخذه إلهاً تعظمه وتطهره، فلما أسلم فتيان بني سلمة: معاذ بن جبل وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح في فتيان منهم ممن أسلم وشهد العقبة، كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة، وفيها عذر الناس منكساً على رأسه؛ فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة؟ قال: ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهّره وطيبه، ثم قال: أما واللّٰه لو أعلم من فعل هذا بك لأخزينه! فإذا أمسى ونام عمرو عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك؛ فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى، فيغسله ويطهره ويطيبه، ثم يعدون عليه إذا أمسى فيفعلون به مثل ذلك؛ فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه يوماً فغسله وطهره وطيبه ثم جاء بسيفه فعلّقه عليه، ثم قال: إني واللّٰه ما أعلم من يصنع بك ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنع، فهذا السيف معك.
فلما أمسى ونام عمرو عدوا عليه فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلباً ميتاً فقرنوه به بحبل، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر من عذر الناس، ثم عدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به. . فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكساً مقروناً بكلب ميت، فلما رآه وأبصر شأنه وكلّمه من أسلم من قومه فأسلم برحمة اللّٰه وحسن إسلامه 1.
إن هذه القصّة تغنيك عن غيرها بعد أن تجعلك تسخر من عقول تلك الأقوام فيما ذهبت إليه في عبادتها لتلك الجمادات. .
هل كان في الجاهلية شيء من خير؟
قبل الخوض في وصف أهل الجاهلية، قد يكون من الملائم التعرّض لهذا العنوان، وهو الحديث عن فضائل كان يتحلّى بها أهل هذا المجتمع على ما فيه من