152مكانته صلى الله عليه و آله عند قومه بحيث إنّهم رضوا بحكمه دون تردّد.
هذه أهم الأعمال التي اشترك فيها قبل البعثة مع قومه، وهي ترفع مكانته وشأنه بين أهله وعشيرته، لأنها من أعالي الأمور ومن مكارم الأخلاق، خصوصاً أن بيئته انتشر فيها الفساد و الرذائل التي عصمه اللّٰه سبحانه وتعالى منها وأبعده عنها لينشأ خالياً من الدنايا والشوائب.
وقد عثرت على رواية يرويها أبو نعيم في دلائله، بسنده عن علي بن أبيطالب عليه السلام أنه قال: سمعت رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله يقول:
«ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمّون بها إلا مرتين كلتاهما يعصمني اللّٰه عز وجل منها، قلت ليلةً لفتى من قريش بأعلى مكة في أغنام لأهلنا نرعاها: أنظر غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان. قال: نعم، فخرجت فجئت أدنى دار من دور مكة فسمعت غناء وضرب دفوف وزمراً، فقلت: ما هذا؟ قالوا: فلان تزوج فلانة من قريش، فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مسّ الشمس ثم رجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فأخبرته ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك ففعل، فخرجت فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني فما أيقظني إلا مسّ الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما فعلت شيئاً، قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: فواللّٰه ما هممت بعدهما بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني اللّٰه بنبوّته» 1.
ولكن مع ما في نفسي من هذه الرواية، إلا أنها تدل بشكل واضح على نزاهته صلى الله عليه و آله عن قضايا الجاهلية وأمورها التي كانت سائدةً في المجتمع المكي بعناية من اللّٰه سبحانه، وبجانب ذلك كان صلى الله عليه و آله متصفاً بصفات فاضلة وأخلاق حميدة أقرّ له بها المؤيدون والمعاندون على السواء.
وقد أوجزت لنا خديجة أم المؤمنين (رضي اللّٰه عنها) صفاته وأخلاقه بقولها بعد فزعه إليها من شدة بدء الوحي: