56كانت المنائر مبنيّةً في المساجد لا على جانبها - أمر غير جائز على القاعدة؛ لكون المسجد محرّراً شرعاً للمصلّين في المسجد فكلّما زاحم الصلاة لم يجز ، ومن جملة المزاحمات إشغال شطرمن المسجد بما لا يمكن معه الصلاة في ذلك الشطر ، كبناء حوضٍ للماء أو بنية المنارة؛ وأمّا الجدار المبني حول المسجد للإحاطة به ولبناء السقف عليه فهو لمصلحة المصلّي ، ولابد أن يكون ما يشغله الجدار والأساس للسقف بمقدار الحاجة والضرورة لا أزيد .
وكذا ما ورد من هدم المهدي عليه السلام المنابر ، وكأنه يشير إلى المنابر التي كانت مبنيّةً حتى زمان متأخر في المسجد الحرام وكذا هي مبنيّة في ساير المساجد ، فإنها تشغل شطراً من المسجد ولا يجوز ذلك . وقد هدمت الحكومة الحجازيّة هذه المنابر في المسجد الحرام في العمارة الأخيرة ، وكذا المقاصير التي ورد أن المهديّ يهدمها؛ وهذا يؤكد ما ذكرناه سابقاً من أن مدلول هذه الروايات ، ليس هو الإخبار بهذه الأفعال بنحوٍ تصدر فعلاً من المهدي؛ وإنما هي من قبيل المعلّق؛ وإرشاداً إلى أنه ليس الوضع الموجود أمراً مقبولاً شرعاً ، وأن المهدي إذا ظهر وكانت هذه الأمور باقية وموجودة أزالها؛ لأنها منكرات .
ثم ذِكْرُ المهدي؛ لأنه عليه السلام لا يتّقي أحداً إذا ظهر ، وأما باقي الأئمّة عليهم السلام فلم يكن لهم القدرة على مواجهة تلك الأوضاع ، بل كانوا في ظروف التقيّة؛ وعلى هذا الأساس لاتنافي هذه النصوص وجوب إبطال هذه الأمور على غير المهدي عليه السلام حيث يمكن ويقدر عليه .
كما أن هذه النصوص لا تستلزم بقاء هذه المنكرات إلى زمان ظهوره عليه السلام ليكون لها مصداق ويباشر المهدي عليه السلام إبطالها وإزالتها ، بعد أن كانت مشيرةً وإرشاداً إلى الإنكار على الوضع القائم آنذاك .
على أنه ربما تعود هذه المنكرات مرّةً اخرىٰ بعد مرّ الزمان بحيث يكون الإمام عليه السلام إذا ظهر هو المباشر لإزالتها أيضاً . وما تضمّن أن ظهور المهدي يكون بعد