179دور في إثارتها وإذكاء أوارها؛ ولم تنته حتى جاء الإسلام فأطفأ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله العداء الخطير بينهما بعد هجرته صلى الله عليه و آله إليها كما سنرى ؛ وأهم تلك الحروب والوقائع ما يلي:
حرب سمير ، وحرب حاطب ، و وقعة جحجبا ، وموقعة السرارة ، وموقعة الحصين بن الأسلت ، وموقعة فارع ، ويوم الربيع ، وموقعة الفجار الأولى ، والثانية ، وموقعة معبس ومضرس ، وحرب بعاث التي كانت آخر الحروب وأشدها عنفاً ، حيث راح يستعد لها الفريقان : الأوس والخزرج ، واستغرق هذا الإعداد أكثر من شهرين ، تغذيه الأحقاد المتراكمة بينهما؛ وفي هذه الحرب تحالف الأوس مع بنيقريظة وبني النضير ، فيما تحالف الخزرجيون مع مزينة وأشجع ، وخالفهم عبد اللّٰه بن أبي بن سلول .
وكانت بعاث هي منطقة التقائهما ، واقتتلوا فيها قتالاً شديداً ، وتضعضع الأوسيون وحلفاؤهم ، وقتل عدد كبير منهم وبدؤا بالفرار ، ولكن قائدهم حضير الكتائب ثبّتهم ، فقاتلوا بشجاعة وهزموا الخزرجيين وحلفاءهم ، وهمّوا أن يقضوا عليهم نهائياً حتى صرخ رجلٌ من الأوس :«يا معشر الأوس انسحبوا أو أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم ، فجوارهم خير من جوار الثعالب»، ويقصد بقوله هذا اليهود الماكرين .
وقبل هذه المعركة كان لهم لقاء برسول اللّٰه صلى الله عليه و آله لم يستثمروه؛ وهو ماجاء في الخبر الذي يقول : لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ، ومعه فتية من بني عبد الأشهل ، فيهم أياس بن معاذ ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج ، سمع بهم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فأتاهم فجلس إليهم ، فقال لهم: هل لكم إلى خير مما جئتم به؟
قالوا: وما ذاك ؟
قال: أنا رسول اللّٰه ، بعثني إلى العباد ، أدعوهم إلى اللّٰه ، أن يعبدوا اللّٰه ، و لايشركوا به شيئاً ، وأنزل عليّ الكتاب ، ثم ذكر لهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن .