101كلام حسن جيد للغاية، وماذكره ابن كثير أيضاً في تفسيره من رواية ابن مردويه أن مقام إبراهيم كان في الكعبة فأخرجه رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فألزقه في حائط الكعبة وذلك حينما دخل الكعبة يوم فتح مكة.
ولقد رجحنا هذه الأقوال الأربعة مما تقدم، لأن المعقول أن إبراهيم عليه السلام لابد أن يضع الحجر الذي قام عليه في بناء البيت الحرام بلزقه وجواره لا أن يضعه بعيداً عن البيت حينما اتفق ، وهو ياقوتة من يواقيت الجنة ومقامه الذي كان يقوم عليه وأيضاً لابد أن اللّٰه تعالى أمره بحفظه وعدم التفريط فيه حيث يأتي في آخر الزمان خاتم النبيين محمد صلى الله عليه و آله فيؤمر هو وأمته بالصلاة عنده وقبلتهم البيت المعظم. ويؤيد كلامنا هذا ما جاء في الجزء الثاني من تاريخ الأزرقي أن إبراهيم عليه السلام قام على المقام حينما أذن في الناس بالحج، فلما فرغ من التأذين أمر بالمقام فوضعه قبلة فكان يصلي إليه مستقبل الباب ، ثم كان إسماعيل بعده يصلي إليه إلى باب الكعبة... .
فلدى التأمل في هذه النقطة يظهر جلياً أن ابراهيم عليه السلام جعل الحجر الذي قام عليه لبناء الكعبة بلصقها ولايبعده عنها بمسافة أذرع مخصوصة إلا لسبب وأي سبب لذلك في أيامه وأيضاً أن أهل الجاهلية كانوا ألصقوا المقام بالبيت خيفة السيل بل وضعوه في جوف الكعبة حتى أخرجه رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله منها فألزقه في حائطها كما تقدم بيان ذلك، فما الذي يدعو أهل الجاهلية إلى إبعاد ذلك الحجر الأثري المحترم عن الكعبة ووضعه في هذا المحل الذي هو عليه الآن كما في رواية السنجاري المتقدمة ولاأحد منهم يتعبد عنده، بل لو أبعدوه عن البيت لكان المعنى أنهم لم يعتبروه ولم يحترموه حيث رموه في آخر ساحته عند أبواب بيوتهم المحيطة بالبيت، وكيف يقع ذلك منهم وهم الذين يعتقدون أنه ذلك الحجر المقدس الذي عليه أثر قدمي إبراهيم الخليل عليه السلام ، وقد قال أبو طالب فيه وفي الحجر الأسود:
وبالحجر المسود إذا يمسحونه
فلما جاء الإسلام أكد احترامهما وجعل لهما مغزى خاصاً ورمزاً تعبدياً وإن كان الحجر الأسود أعظم حرمة من المقام، فإنه يمين اللّٰه في الأرض وإنه يبعث يوم القيامة وله عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بالحق كما ورد ذلك.
وقد تقدم أن الحجر الأسود والمقام هما من ياقوت الجنة».
ومن الغريب أن الكردي بعد ما انتهى من البحث وولج في غيره من شؤون المقام كأنه لم يرقه ما تحقق له من مخالفة عمر لما فعله رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله ؛ وربّما كان اخذ عليه في ذلك فرجع مرّة اخرى إلى البحث وقال:
«لقد تقدم من الكلام ما فيه الكفاية عن مقام خليل اللّٰه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، غير أن اللّٰه سبحانه و تعالى فتح علينا فهم مسألة دقيقة عنه وهي: أن المشهور لدى المؤرخين وجميع الناس أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّٰه تعالى عنه هو الذي وضع المقام في هذا المحل الآن الذي هو أمام باب الكعبة بجوار بئر زمزم، وذلك عندما ذهب سيل أم نهشل بالمقام. وهذا كلام صحيح لا شك فيه، غير أن عمر رضي اللّٰه عنه ما وضع المقام إلا في نفس المحل الذي كان فيه قبل أن يذهب به سيل أم نهشل، أيوضعه في الموضع الذي كان المقام فيه في عهد رسولاللّٰه صلى الله عليه و آله وفي عهد خليفته أبي بكر رضي اللّٰه تعالى عنه بدليل ما رواه الإمام الأزرقي» 1 .
وممن صرّح بتحويل عمر للمقام خلافاً لما كان عليه في عصر النبي صلى الله عليه و آله المحدّث العلاّمة عبدالرحمن بن يحيى المعلّمي اليماني؛ وهو من متأخّري أهل السنة ومن مقاربي عصرنا؛ وقد أقرّه على ذلك صاحب السماحة مفتي الديار السعوديّة الشيخ محمّد بن إبراهيم آل الشيخ ودافع عنه حتى أنه كتب في الدفاع عن مقالته رسالة .
قال المعلّمي : أين كان موضعه - المقام - في عهد النبي صلى الله عليه و آله ؟ في هذا ثلاثة أقوال :