289بعض معالمه سيما من قبل من عاشوا تجربة العشق الإلهي ، أما كيف يتم استكناه ذلك؟ فهذا أمر يتعهد به خلوص النية والقربىٰ . والخلوص جهد قلبي ونفسي وعصبي ممركز وهو عملية تحريضية استنفارية لمكونات الروح والجسد ، وفعل احتجاجي عنيف للغاية يقوم بتصفية المزاج الذاتي وتنقيته من العوالق ومن «غَرْيَن» الشهوات والأهواء الهارف من الخارج . . حين يصفّى المزاج تتجه النفس وتنفتح على الآفاق الكونية والإنسانية فتتواشج الرؤىٰ ويتصل أقصىٰ أفراد الأمة بأدناهم ، فيكون الخليل معادلاً للأمة وعدلاً للرسالة : [إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ كٰانَ أُمَّةً ] 1
تَوَضّحَ لنا ، أن النيّة وقرباها تقرب بين الفرد - الأمة وبين الأمة - الخالق ، وفيما يتكاشف الجميع أمام اللّٰه - سبحانه - .
فالفرد يلوذ بالأمة ويشعر بأنها الوحيدة التي تلقي الوقار على عريّه وعوزه وضعفه . ومن إبراز عناصر النية من النموذج والصيغة والأطراف نتفهم أن النيّة هي المولّدة للنماذج البشرية الهادفة ، وعليه فهي أكفأ أدوات التغيير الاجتماعي وأكثرها خفاءً ، والتفكيك بينها وبين الأعمال يؤدي إلى عبثية عامة تضرب كل جذور الكيان الفردي وتعصف بأسس البنيان الاجتماعي . . ونية الحج نشأت لتنفتح على كلا الكيانين ، فلم تكتمل رسالة الفرد في الحياة ما لم تنفتح على الأمة ، ولم تبلغ الرسالة السماوية مهمتها ما لم ترفع المجتمع وأشياءه إلى سماحة السماء وكائناتها الملائكية ، أي أن الأطار الذي يجب أن تتأطر به الأرض هي السماء .
قطعاً إن كائنات السماء صممت بطبع وطبيعة لا مزية لجوارح الأرض على إدراكها والتّوغل في مكنوناتها وسجاياها وأسرارها ، لذا لا بدَّ من مفتاح ، ومن كلمة إلهية مقدسة مباحة لكل مخلوق ، تلك كلمة لا يجوز الإفصاح بها ، وعدم الرنين بها أو التنغيم ، وأن سماعها من قبل الآخر - ولو على التماسّ - مخلاً بل مبطلاً للعبادة . فقط يجب التلفّظ القلبي بها .