287والتضحية ليتساوق مع النصّ الشريف : [وَ الْبُدْنَ جَعَلْنٰاهٰا لَكُمْ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ ] 1 ، الشعائر التي تتلامح في عالم القربىٰ يتأرجح قبالها الحاجّ ، وذلك عندما تعلن الجوارح عجزها عن اللقاء . . عن لقاء الطاغوت بمفردها . . فالاقتراب من الطاغوت من أجل إقصائه مرهون بالاقتراب من مصدر القوة والهدف . . . تفيض الجوارح والمشاعر وسط الموكب الموحّد العابر من عرفات إلى المشعر . . وبهذا الموقع تتشكل أرضية الإحساس بالعدو المتربص . . الخصم الأسطوري . . الذي كان لإبراهيم الخليل وولده إسماعيل عليه السلام ، حكاية متفردة لهما معه ترمزت في كل مقطع مناسكي : [فَإِذٰا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفٰاتٍ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ ] 2 .
تلكم بعض عوالم القربىٰ وعلى امتداد أيام الحج تقترح الجهد البطولي في الإنسان ، وتكهرب الواقع من حوله ، فتتماسك المتشابهات والآثار والمسببات وبدورها تتكثف الإشعاعات الإلهية فتهطل كوثراً ، وإذّاك ينصهر بها الإنسان وترافق تنقلات حياته خلف حدود مكة والحج .
الضوء الرابع : منشأ النيّة في الحج
ونقصد بها تاريخياً ما كان في حياة الخليل إبراهيم ، ونعني بالمنشأ ليس التكوين إنما بداية التقنين العملي العام بها ، أي كون «النية» سنداً في العمل التوحيدي والمناسكي ، وتحويلها إلى سقف للبرامج العبادية وخطة المناسك .
من البدهي أن مطالب الشريعة الإلهية لا يصحّ حصرها في مجموعة بشرية وفي إطار زمني وجغرافي محدد . . بمعنى أن التشريع الإلهي أكبر بكثير من المرحلة التاريخية . إننا أمام معلومة عقائدية تتمثل في أن النموذج الإنساني المتكامل في رشده وسلوكه هو نفسه ضرورة شرعية اجتماعية ، حتىٰ تصلح مسؤولية الاقتداء والقدوة . وننطلق من ذات الضرورة هذه ؛ إذ يجب أن تكون كل أفعال الإنسان