286إن غير القربىٰ لا يمكن أن يستوحي الأمن كضابطة اجتماعية خالدة تستشف من الأمن والسلام الإلهي القدر الاجتماعي المطلوب . من هنا فالأمن خلاصة السلام وهو أكفأ من السلام في إيقاف الصراع ، لأنه صيغة تحاور منابع العداوة والخلاف والمصالح من عمق الذات . . الأمن له علاقة بتنمية العالم ويقظته ونهضته «إننا نرىٰ جانباً من المحاكاة والانسجام في حكمة السعي بين الصفا والمروة ونموذجاً للكفاح المتواصل» 1 ، إذ إن المحاكاة تتواصل فتشمل أرقى النوع البشري «يهرول إبراهيم عليه السلام للفرار من برائته - القوة المعطلة للتنمية وهو الشيطان - ومن الوقوع في حبائله . . .» 2 .
لا يمكن أن نتصور مدنية راقية نامية دونما سيادة لقانون الأمن . . أما السلام فهو حلقة وسطىٰ تتوسط تاريخياً الصراعات والحروب من جهة والأمن والتنمية من جهة أخرىٰ . إن كل جوارح الدنيا لم يكن بمقدورها أن تزيح الكعبة وقواعدها من مكانها الطبيعي ، لكن القلوب ومحكّها «القربىٰ» ماثلة إلى حمل رسالتها وصورتها البهيّة . . صورتها الذهنية من وإلىٰ . . وإلىٰ منابع كل فجٍّ عميق .
وما يفيدنا في هذا التمثُل هو كلّما تولى الحاج الخالص وجهه ، فثمة نور اللّٰه .
الانفجار الكعبوي لا يمكن رصده وإحصاء إشعاعاته بآلية عقلية أو جوارحية أو بلاغية ، بل وحتى النية تتراجع إلى منطقة الشعور العام . . لا يمكن ما لم تتدخل القربىٰ في أعمال الذات فتهذب وتربط وتجهّز وتصحح بين مصادر الغريزة .
من عوالم القربىٰ أنهاهي التي تبرز عنصر الهدفية والقصدية في الجهد الإنساني المبذول ، إذ تتحرك العُلقة بين داخل الإنسان وخارجه ، فتؤدي دورها عبر مسارب النوايا . . . ومعروف أن طابع الهدفية هو الجديّة والتركيز والمداومة . .
وهكذا يتبلور الشعور القرباني كحقيقة تنزع نحو الظواهر . . فيتشكل الاقتحام