277والتفكّر والتعمّل الإنساني ؛ باعتبار أن المناسك وضعت «جُعلت» بطريقة رمزية ، وكل رمز «مشهد» يحاكي شيئاً من حياة الإنسان . . . من ذاتياته وقلبياته وعقلياته وصميمياته . . . وهذا المشهد يراد منه الاستهلال فحسب . . . أي الابتداء من قبل التشريع ثم يترك تمثيله في قلب الساحة البشرية والطبيعية فيما بعد .
لا أحدَ ينكر روعة البناء الفكري والشكلي والجمالي الزاخر بروضة زاهية من الدلالات ، والذي يُعدّ الرحيل شطره بمثابة الرحلة التاريخية التي تعتبر ولادةً وتعديلاً في مسار الحياة الشخصية ولكائنات «الماحول» أنها أشبه برحلة الفاتح التي تطيح بالحواجز والمعطلات ، وتستجلي الروح الكامنة في عمق الأشياء . مع هذه العظمة وتماشياً مع مشاهدها البديعة كيف يتمّ للإنسان حيازتها معنوياً؟ كيف يتمكن من استحضار مفاعيلها في طول حياته وعرضها؟ وبإختصار ما هو المحرك الذي يركّب بين الطبيعي والديني والإنساني ويمزج فيما بينهم؟
إنها «النيّة» فهي روح فريضة الحج . . . وروح كل عمل عباديٍّ وصالح . . .
والمقصود من النيّة ليس موضوعيتها ولفظها أو طريقة أدائها . . . إنما المطلوب جوهرها وهو «القربىٰ» ، فالأخيرة هي التي تطبع الحج بآثاره الطبيعية والشرعية وتدعو الانجاز نحو اختراق كل ما هو دنيوي - نسبي - محدود ، وتهذّبه إلى الانصباب تحت الشرفات الأخروية الخادرة . وبدونها - أي النية - تتصير عملية الحج بكاملها إلى نفق من التصويرات والهياكل والتشريفات ، لا حياة فيها ولا أحياء ، ورغم كل المنافع والبيادر يتنحىٰ لنا مشروع الحج إلى تجارة خاسرة ، وعلى المدىٰ سوف يكون وبالاً محمّلاً بهزات الندم والحيف والابتذال .
الضوء الثاني : شعور النيّة
كل عمل يصمم الإنسان على القيام به والإبتدار إليه يسبق بشعور خاص ويكون هذا الشعور من أقوىٰ عناصر الانشداد إلى العمل وإنجازه ، بل يحول العلاقة بين العمل والعامل إلى علاقة حبٍّ وعشق وتفانٍ ، مما يتبعها على الأثر جهد