39
البلاغة
وفي الآيات استعارة، ففي قوله تعالى:
«أفمن أسس بنيانه على تقوى من اللّٰه»
أي أسس على قاعدة راسخة قويّة ثابتة وطيبة ألا وهي التقوى تقوى اللّٰه تعالى، فشبّه التقوى والرضوان بقاعدة يعتمد عليها البناء تشبيهاً مضمراً في النفس، وأسس بنيانه تخييل على قاعدة الاستعارة التصريحية.
وهناك استعارة أخرى وهي الاستعارة التمثيلية في انهيار البناء القائم على شفا جرف هار، فقد شبهت الآية عدم القيام بأمور الدين بمن بنى بنيانه على شفا فهو يسقط به، فالمشبّه به البناء على محل آيل للسقوط، والمشبه هو ترتيب أحكام الدين وأعماله على الكفر والنفاق.
قصة مسجد الضرار
ذكر المفسّرون في سبب نزول هذه الآيات الأربع أنّ بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قُبَاء، وبعثوا إلى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله أن يأتيهم، فأتاهم فصلّى فيه، فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غُنم بن عوف، وقالوا: نبني مسجداً فنصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد، وكانوا اثني عشر رجلاً، وقيل: خمسة عشر رجلاً، منهم ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير ونبتل بن الحرث، فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قباء، فلما فرغوا منه أتوا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، وهو يتجهّز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول اللّٰه إنا قد بنينا مسجداً لذي العلّة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلّي فيه لنا وتدعو بالبركة.
فقال صلى الله عليه و آله: إني على جناح سفر، ولو قدمنا أتيناكم إن شاء اللّٰه، فصلينا لكم فيه.
فلما انصرف رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله من تبوك، نزلت عليه الآية في شأن المسجد 1.
فيما ذكر الواحدي في أسبابه ما قاله المفسّرون: إنّ بني عمرو بن عوف، اتخذوا