240
المبحث الثامن: قريش قُدوة العرب:
مما زاد في فضل مكة، وفضل أهلها، مباينتهم للعرب بشكل واضح: أنهم كانوا متآلفين، متمسكين بكثير من شعائر دين إبراهيم عليه السلام، آخذين بأسباب التحضر والتمدن في وقتهم، ولم يكونوا كالأعراب الجفاة الأجلاف، ولا كمن لا يوقِّره دين، ولا يزينه أدب، ولا يهذبه خلق، فكانوا يحجون البيت، ويقيمون المناسك، ويردُّون المظالم، ويختنون أولادهم، ويكفّنون موتاهم، ويغتسلون من الجنابة، وحرموا نكاح المحارم، وزوجوا بناتهم بالصداق والشهود، وتطليقهم كان ثلاثاً، قال ابن عباس، جواباً عن سؤال طلاق العرب: «كان الرجل يطلق امرأته تطليقة، ثم هو أحق بها، فإن طلقها ثنتين فهو أحق بها أيضاً، فإن طلقها ثلاثاً فلا سبيل له إليها» 1، ومما ورد للأعشى في ذلك:
أيا جارتي بِينِي فإنك طالقة
ومما ميزهم أيضاً: أنَفَتُهم، وشعورهم بالسيادة، والتفرد، فكانوا يتزوجون في أي القبائل شاءوا ولا شرط عليهم، ولا يزوجون أحداً إلا بشرط أن يكون