154
الأشياء، فما من شيء في الدنيا إلّاوالتفاضل جارٍ فيه.
ولا يضرّ هذه المدرسة السماوية بل ولا يفيدها من انحرف عنها وشطّت به قدماه بعيداً عن أسسها ومتبنياتها، كما لا يضر ذلك في سمعة الصحابة الآخرين الذين أجزم أنّ بعضهم كان صناعة خاصة، أعدّتهم السماء واختارتهم وتفضّلت بهم علينا جميعاً؛ ليصوغوا لنا تأريخاً مليئاً بكلّ معاني الخير، وحاضراً كلّه عطاء، ومستقبلاً زاهراً بالأمل مشرقاً بالحب، بعيداً عن العداوة والبغضاء.
إنّهم بحقّ جيلٌ قد لا يكون له نظير فيما مضى من تأريخ الرسالات وفيما هو آت إلّاعند القلّة القليلة النادرة.
فهيّئتهم هذه المدرسة، وصاغتهم لتبليغ أعظم رسالة سماوية وأعظم دين خاتم للديانات، فغيّروا أمة جاهلية بل غيروا أمماً أخرى فتغيّر وجه التاريخ، فاستحقوا بذلك العظيم في الدنيا والآخرة، وغدوا من ورثة جنة النعيم، يتبّوأون فيها غرفاً، وينعمون بها، ويمرحون في بحبوحة منها.
ولا غرابة في ذلك بعد أن أحبوا اللّٰه ورسوله، وطلبوا رضوانه تعالى وملئوا شوقاً إلى لقائه، يطلبون الموت ويتحاثّون عليه.
كم كانت تربيتك يا رسولاللّٰه لهذه النخبة الطيبة نافعة خالدة!
وكم كان حبّهم واحتفاؤهم بك يا رسول اللّٰه عظيماً صادقاً حتى شهد به أبو سفيان وهو يعيش العداء كلّه والكراهية كلّها لرسول اللّٰه ودينه وصحبه:
ما رأيت من الناس أحداً يحبّ أحداً كما يحبّ أصحاب