150
استعدّ بيرتون - كما فعل بيركهارت - من قبل أن يقدم على رحلته الخطرة بأشهر عديدة، واتخذ جميع التدابير اللازمة للقيام بمهمته خير قيام، حتى أنه عمد إلى الاختتان وهو يومئذ فى الثانية والثلاثين من عمره! وخلع عنه ثيابه الأوروبية، واستبدلها بملابس مسلم أفغاني في طريقه إلى أداء فريضة الحج، وتسمّى باسم الحاج عبداللّٰه. وقد وصف لنا بيرتون بدقّة رحلته هذه في كتاب ممتع من جزأين ضخمين هو «الحج إلى المدينة ومكة» .
وفي طريقه إلى الشرق، كان بيرتون يعمل على إتقان دوره كمسلم في تفاصيل الحياة اليومية للمسلم، منتحلاً شخصية نبيل فارسي بداية الأمر، ثمّ شخصية درويش متجوّل. وعن سبب إقدامه على هذه الخطوة. يقول بيرتون:
«ليس هنالك من شخصية مناسبة للتخفّي في العالم الإسلامي أكثر من شخصية الدرويش، فهذه الشخصية يمكن لأيرجل من أية طبقة أن يتلبّسها، من أي عمر أو من أي مذهب. كما يسمح للدراويش بتجاوز أو تجاهل أصول الأدب والمعاملة كأشخاص قد انسلخوا عن المجتمع، وتوقّفوا عن الظهور على مسرح الحياة» .
وصل بيرتون إلى المدينة المنورة أولاً، وكتب عن تشكيلات خدم الحرم النبوي، وما يلبث أن يقارنها بما قرأه عند بيركهارت. ويعلمنا بيرتون أن حجم المدينة المنورة حين زارها كان أكبر بمرة وثلث من حجم مدينة السويس، أو بقدر نصف حجم مكة، وهي عبارة عن مكان مسوّر يؤلّف شكلاً بيضاوياً غير منتظم.
ولها أربع بوّابات. . وهناك عمارات ضخمة وأبراج مزدوجة متقاربة. . وفي داخل المدينة الظليل ترى الجنود يحرسون المدينة، وأصحاب الجمال يتشاجرون، وكثيراً من الرجال الذين لا عمل لهم يتسكّعون. ثم يصف البنايات العامة فيقول: إن هناك أربع خانات كبيرة وبضع مقاه صغيرة، وحماماً ممتازاً، ويقدّر السكّان ب16 ألف نسمة.