131
«الأنا» ويشي بالمختلف. أما الإحرام الذي يرتديه كل حاج، ويخضع لشروط صارمة تضبط بساطته، وتنفي عنه أية زخارف، أو ألوان، وأشكال، فهو تدريب عملي لتربية الإنسان المسلم على تجاوز ثنائية:
السيد والعبد، والقوي والضعيف، والشريف والوضيع، والمتحضر والبدوي، والعربي والأعجمي، والشرقي والغربي، والغني والفقير، والمتخم والجائع.
إن التجرد من الثياب في الميقات، يتضمن - فيما يرمز إليه - هتك الأقنعة، التي تختفي وراءها جملة من نزعات الكراهية، الكامنة لدى الإنسان. إنه تجرد من قناع الوحشية، والمكر، والخديعة، والخنوع، والذلة، والجبن، والهوان. وسائر منابع الشر والعدوان. وكأن لحظة الميقات لحظة يولد فيها الإنسان من جديد. وقتئذ تتجلى الذات على حقيقتها، متحررة من الأعراف والتقاليد، ومن سائر الأسماء والألقاب، التي تضج بها الحياة، وتغطي الأشخاص بطبقات
إن التجرد من الثياب في الميقات، يتضمن - فيما يرمز إليه - هتك الأقنعة، التي تختفي وراءها جملة من نزعات الكراهية، الكامنة لدى الإنسان
وحجب، شديدة الكثافة، تتستر على حقيقة الإنسان24.
ثم يردد الحاج التلبية بعد ارتداء الإحرام (
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك
) .
والتلبية تتضمن اعترافاً وإقراراً بالتوحيد، ونبذاً للشرك بكافة أنواعه، فالشرك منبع اغتراب الإنسان في العالم، والشرك يمسخ الإنسان، ويكرس استلابه، ويبرر الانقسامات، والصراعات، والتمييز العنصري. ذلك «أن الاعتقاد بتعددية الآلهة، يبرر تعددية المخلوقات، ويسوغ تقديس بعضها، ويصورها كأنها حقائق خالدة أبدية. وإن الاعتقاد بوجود تناقض بين الآلهة، يصور الصراعات والتناقضات في الحياة بمثابة أمر طبيعي وإلهي. بينما