25يزداد إحساسي بالرهبة ونحن نخطو إلى داخل المسجد الكبير لأداء العمرة التي تسبق شعائر الحجّ، كأنّها التمارين الأولىٰ، نوع من الإعداد الروحي لهذا الحدث الجلل، يريد اللّٰه للنفوس التي شردت طويلاً أن تهتدي بروية إلىٰ طريقها وسط مسالك الإيمان، وما هذه الطقوس المتتابعة إلّامدارج ترتقيها الروح.
أرض المسجد عارية من السجاد الأحمر الذي كان يغطيها في الأيام العادية، أحسّ ببرودتها أمناً وسلاماً، أواصل الاقتراب حتىٰ تحتلّ الكعبة كلّ حيز الرؤية، تخف الخطوات وتحتبس الأصوات، ترتفع من الساحة المحيطة بها همهمات متّصلة، شذرات من الأدعية التي تنطق بكلّ لسان، تتصاعد من دوائر متّصلة من البشر تلتفّ حول الكعبة، كأن ذرات الكون المتناثرة قد وجدت النواة التي تنتظم حولها كانتظام الأفلاك في مداراتها.
أهبط الدرج الرخامي وبصري معلّق بالبناء العتيق، مركز الكون، الأستار السوداء منقوش عليها آيات قرآنية بلون ذهبي، مرفوعة إلىٰ أعلىٰ، هكذا ترفع دوماً في أيّام الحجّ، ربّما حتىٰ لا تتعلّق عليها جموع الحجيج وتمزّقها، وربّما لتكشف عن البساطة الآسرة للبناء، صفوف من الأحجار الضخمة العارية من أي زينة أو طلاء أو نقوش، لم يزد عن بناء أبينا إبراهيم عليه السلام إلّاقليلاً، فيه الكثير من بساطة الصحراء وشظفها، الحجر الأسود هو أقدم هذه الأحجار، إحدىٰ إشارات القدسية في هذا المكان علىٰ مدى الأحقاب، فهو الحجر الناقص الذي لولاه ما اكتمل البناء، ولعلّ إبراهيم عليه السلام وهو يقيم البيت كان يبحث عن علامة دائمة منها يبدأ الجميع وإليها ينتهون، وعثر على الحجر الأسود كأنّه شهاب ساقط من السماء، وضعه في الرّكن الشرقي ومازال في نفس المكان حتى الآن، وقد حمله النبي الكريم ذات لحظة نورانيّة ووضعه في زاويته، لا ليفض الخلاف بين قبائل قريش الغاضبة فقط، ولكن ليؤكّد