238
تقويم الرحلات الفارسيّة
وإذا كان أدب الرحلات عند الغربيين يغلب عليه الطابع السردي والوصفي والتقريري عن الأماكن فقط، فإنّ أدب الرحلات الإيرانيّة - كأدب الرحلات العربيّة عموماً - يعتبر نوعاً من الفن القصصي إلىٰ جانب ما فيه من المادّة الواقعيّة، فالتنوّع في العرض، وغنى المادة، والبساطة في السرد، والجمع بين الواقع والخيال، حوّل هذا الأدب إلىٰ مادة مليئة بالمتعة والمرجعيّة أيضاً.
تتميز الرحلات عادة بالوصف وتتحول الكتابة إلى استعراض وإعادة استرجاع لما شاهده الواصف، ومع ذلك لا يمكن الجزم بأنّها تنقل إلينا صوراً محايدة، لأن الخيال والنظر يمكن أن يدخل في نسيجها ويؤثر على الحقيقة التاريخيّة، وذلك لما للعواطف والانفعالات من تأثير علىٰ كتابات أصحابها ومواقفهم، ومع ذلك يمكن اعتبار الرحلات وثيقة صادقة ودقيقة يستطيع أن يستفيد منها المؤرخون والأدباء والجغرافيون وعلماء الاجتماع علىٰ حدٍّ سواء.
لقد كانت أغلب هذه الرحلات - بالإضافة إلىٰ هدفها الأوّل ألا وهو زيارة الأماكن المقدسة، وتأدية فريضة الحج، وزيارة قبر الرسول وأئمّة المسلمين - منبعاً للمتعة واللذة والخروج من المشاكل والمآزق الحياتية، وكما يقول المثل: (لذة العيش في التنقل) ، أو كما يقول الشاعر: (فسافر ففي الأسفار سبع فوائد) .
ويغلب علىٰ أكثر الرحلات الإيرانيّة وصف المدن التي زاروها وشعبها وطرقها الصحراويّة وملامح الحياة البدوية، نظراً إلىٰ أنهم وردوا من بلادٍ تختلف طبيعتها الجغرافية عن مناطقهم وتختلف طرق الحياة فيها عن طريقتهم.