235الإجتماعي لبلد أو لمرحلة تاريخيّة والتي جعلتنا علىٰ معرفة أوسع وأدقّ بهذا البلد أو تلك المرحلة من خلال اعتماد السجلات المدنية وأحكام القضاء ودوائر العقارات والمدونات الأخرىٰ، إلّاأنّها - هذه الوسائل - رغم أهمّيتها غير كافية، فقد يحصل تعسف أيضاً في كتابتها أو تحليلها أو قراءتها، والسبب في ذلك غياب الشاهد الإنساني، ذلك الإنسان الذي عاش تلك الأحداث مرحلة بمرحلة، وعانىٰ منها أو استلذّ بها، وليس هذا المصدر الذي يتمتّع بمثل هذا الشاهد إلّاكتب الرحلات التي تركها لنا الأقدمون من أمراء وسياسيّين ورجال دين أو تجّار.
والرحلة - بوصفها مادةً تجري في زمن محدّد من قبل الراوي - تُستعرض كأحداث وقعت في الماضي وفي أمكنة معيّنة، لذلك يرتبط فعلها بالمكان والزمان، ولا يمكن الفصل بين زمان الرحلة ومكانها.
كان الرحالة المسلمون قديماً كناصر خسرو وابن حوقل والمقدسي والمسعودي وابن بطوطة قد غلب علىٰ أدبهم الطابع القصصي، فكانوا يستندون إلى الحقيقة والواقع أحياناً، ويميلون للخيال والتحليل أحياناً أخرىٰ، فيما تحفل كتبهم من جهة ثالثة بالقصص والمعلومات والشعر للمتعة.
الهدف من هذه الورقة
ثمة دوافع متعّددة للرحلات أو كتابة أدبها، منها ما هو بدافع السفر وأهمّيته، أو بدافع التجارة، ومنها ما هو لطلب العلم واللقاء بالمشايخ
لا نقصد من هذه الورقة دراسة الأدب الجغرافي العربي أو الفارسي بشكل معمّق، فقد كتب في ذلك المستشرق الروسي كراتشكوفسكي 1والدكتور زكي محمّدحسن 2وآخرون