185سنّته صلى الله عليه و آله، حتّى يرفعوا الخلاف بينكم، فظهر أنّ شأن الخليفة هو شأن الحاكم لرفع حيرة النّاس، لا أن يوجِد خلافاً جديداً بتشريعه وبدعته، ويزيدهم حيرةً على حيرتهم، فيكون نقضاً للغرض.
خامساً: إنّ ابن حزم الأندلسي قام بدراسة الحديث دراسة موضوعيّة يعجبني ذكرها، - وليس المقصود موافقتنا كلّ ما أفاده- قال:
«و أمّا قوله صلى الله عليه و آله: «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين» ، فقد علمنا أنّه صلى الله عليه و آله لا يأمر بما لا يقدر عليه، ووجدنا الخلفاء الرّاشدين بعده عليه السلام قد اختلفوا فيه اختلافاً شديداً، فلابدّ من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها:
إمّا أن نأخذ بكلّ ما اختلفوا فيه، وهذا ما لا سبيل إليه، إذ فيه الشّيء وضدّه، و لا سبيل إلى أن يورث أحد الجدّ دون الإخوة بقول أبي بكر وعائشة، ويورث الثّلث فقط وباقي ذلك للإخوة على قول عمر، ويورثه السّدس وباقيه للإخوة على مذهب عليّ، وهكذا في كلّ ما اختلفوا فيه، فبطل هذا الوجه، لأنّه ليس في استطاعة النّاس أن يفعلوه، فهذا وجه.
أو يكون مباحاً لنا بأن نأخذ بأيّ ذلك شيئاً، وهذا خروج عن الإسلام، لأنّه يوجب أن يكون دين اللّٰه تعالى موكولاً إلى اختيارنا، فيحرّم كلّ واحد منّا ما يشاء، ويحلّ ما يشاء، ويحرّم أحدنا ما يحلّه الآخر، وقول اللّٰه تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم ، وقوله تعالى: تلك حدود اللّٰه فلا تعتدوها ، وقوله تعالى:
ولا تنازعوا يبطل هذا الوجه الفاسد، ويوجب أنّ ما كان حراماً حينئذٍ هو حرام إلى يوم القيامة، وما كان واجباً يومئذٍ فهو واجب إلى يوم القيامة، وما كان حلالاً يومئذٍ فهو حلال إلى يوم القيامة، وأيضاً فلو كان هذا لكنّا إذا أخذنا بقول الواحد منهم فقد تركنا قول الآخر منهم، ولابدّ من ذلك، فلسنا حينئذٍ متّبعين لسنّتهم، فقد حصلنا في خلاف الحديث المذكور، وحصلوا فيه شاؤوا أو أبوا. .
فإذا قد بطل هذان الوجهان فلم يبق إلّاالوجه الثّالث، وهو أخذ ما أجمعوا عليه، وليس ذلك إلّافيما أجمع عليه سائر الصّحابة رضوان اللّٰه عليهم معهم، وفي