159فوصلوا إلىٰ موضع المصرع، فوجدوا جابر بن عبد اللّٰه الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام، فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد، واجتمع عليهم نساء ذلك السواد، وأقاموا علىٰ ذلك أياماً.
وعن الأعمش عن عطية العوفي أنه قال: خرجت مع جابر بن عبد اللّٰه الأنصاري رضى الله عنه زائراً قبر الحسين عليه السلام، فلما وردنا كربلاء، دنا جابر من شاطىء الفرات فاغتسل، ثم اتزر بإزار وارتدىٰ بآخر، ثمّ فتح صرة فيها سعد، فنثرها علىٰ بدنه، ثم لم يخط خطوة إلّاذكر اللّٰه تعالىٰ، حتىٰ إذا دنا من القبر، قال: ألمسنيه، فألمسته إياه، فخرّ على القبر مغشياً عليه، فرششت عليه شيئاً من الماء، فلما أفاق، قال: يا حسين ثلاثاً، ثمّ قال: حبيب لا يجيب حبيبه، ثم قال: أنّى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك علىٰ أثباجك، وفرق بين بدنك ورأسك. أشهد أنّك ابن خير النبيين، وابن سيد المؤمنين، وابن حليف التقوىٰ، وسليل الهدىٰ، وخامس أصحاب الكسا، وابن سيد النقبا، وابن فاطمة سيدة النساء، ومالك لا تكون هكذا، وقد غذتك كفّ سيد المرسلين، وربيت في حجر المتقين، ورضعت من ثدي الإيمان، وفطمت بالإسلام، فطبت حيّاً وطبت ميتاً، غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك، ولا شاكّة في حياتك، فعليك سلام اللّٰه ورضوانه، وأشهد أنك مضيت علىٰ ما مضىٰ عليه أخوك يحيىٰ بن زكريا.
ثمّ جال ببصره حول القبر وقال:
السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين عليه السلام، وأناخت برحله، أشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم الملحدين وعبدتم اللّٰه حتىٰ أتاكم اليقين، والذي بعث محمداً بالحقّ لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
قال عطية: فقلت لجابر: فكيف ولم نهبط وادياً ولم نعل جبلاً، ولم نضرب بسيف، والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم، وأوتمت أولادهم،