59فتشبيه الراوي الجمرات بالصفا والمروة وجعلها حيطان، أمرٌ يدلّ على مفروغيّة كونها كذلك، حتّى يتسنّى له هذا التشبيه ليصل إلى مبتغاه في مسألة الطهور، وهذا يعني أنّ الجمرات في تلك الحقبة كانت كذلك، على تقدير الاستفادة الدلاليّة كما سيأتي.
ثانياً: إنّ الظاهر من الرواية أنّ وجه الشبه ليس هو كلمة «حيطان» وإنّما حكم الطهور، وذلك أنّ الجمرات لا يصدق عليها عنوان الحيطان حتّى لو كانت أعمدة، فإنّ العمود شيءٌ والحائط شيءٌ آخر، ولكي يصدق على الجمرة أنّها حائط لابدّ أن يكون عرضها قد بلغ مقداراً معتدّاً به، وإلّا لم يكن هناك فرق في لغة العرب بين الحائط والعمود، إلّاإذا تعدّدت بشكل أحاطت به موضعاً وحصرته.
وبغضّ النظر عن ذلك، فإنّ الصفا والمروة إنّما يصدق عليهما عنوان الحائط بلحاظ كونهما يحدّان ما بينهما، وإلّا فمن الواضح أنّهما ليسا جدارين أو عمودين، وهذا معناه أنّ عنوان حائط يصدق على تلّين أو جسمين فيهما ارتفاع يحدّان منخفضاً بينهما، وعليه فقد يكون وجه التشبيه صادقاً بلحاظ كون الجمرات كذلك ولو بقرينة تلّ العقبة، دون حاجة إلىٰ فكرة العمود، وإلّا فما هو موجود اليوم لا يصدق عليه عنوان حائط أبداً.
وبعبارة اُخرى، لكيتكون الأعمدة حائطاً حافظاً لابدّ أن تكون كذلك بلحاظ ما بينها كما هو الحال في الصفا والمروة، أمّا وجود أ عمدة ثلاثة لا اثنين على خط واحد لا تحوط شيئاً، وليست تلالاً بينها منخفض، فلا يصدق عليها عنوان حائط.
وأمّا تفسير الحائط بالعلامات المنصوبة والحدود الفاصلة بين الجمرات 1،