36المضرّجة بدماء الشهداء والمعفّرة بتراب ساحات الفداء، إنّه المسير والمعبّد بجهود وأنشطة كلّ المخلصين لرسالة السماء. . حتّى غدا هدفاً سامياً، وأُنشودةً عذبةً تردّدها شفاه الصادقين المؤمنين.
ولولا ما يتمتّع به هذا الهدف من أصالة وعمق في ضمير الإنسانيّة وتأريخها، ومن مقوّمات راحت في كثير منها، بل في جميعها، تصوغها السماء وتصطنع رموزها على عينها أنبياءً وأئمّةً وشهداء. . لما استطاع هذا الهدف أن يكون شجرةً باسقةً يانعةً أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها.
ومن تلك المقوّمات الهيبة التي تتركها هذه الاُمّة المباركة في النفوس، والرهبة التي تنذر بها الأعداء وترعبهم وتقضّ بها مضاجعهم وتقوّض مؤامراتهم.
وما فريضة الحجّ إلّاساحة كبرى لنموّ هذا الهدف وتركيز مقوّمات هذه الاُمّة عبر وحدتها وتراصّ صفوفها، وأروع ما في هذه الفريضة، وهي الرائعة في كلّ مناسكها ومفاصلها، هاتان الإفاضتان بكلّ ما يتمثّل فيهما من قداسة وهيبة ورهبة وروحانيّة ورغبة في لقاء اللّٰه والاستزادة من أجره وثوابه، وقد شاءت السماء لهاتين الإفاضتين أن تكونا من مفاصل هذه الفريضة المقدّسة، وأن تكونا في بقعة مباركة محدّدة وفي زمن هو الآخر محدّد، أيّام معدودات، وفي مظهر واحد، وتحت ظلّ شعار واحد وتلبية واحدة ومنسك واحد، يضمّ محاور متعدّدة ممّا يجعله ذا خصوصيّة لا تجدها في غيره، وبلا أدنى شك، إنّ هذا كلّه سيترك آثاره سواءً أكانت آثاراً نفسيّة أم كانت آثاراً تربويّة على الإنسان الحاجّ كشخص، أو عليه بوصفه مجتمعاً وكأُمّة، كما يترك آثاره على من يرى من بعيد هذه المشاهد عبر وسائل النقل والإعلام أو يسمع عنها أو يقرأ. . . وقد أشبعنا هذه المفاهيم بحثاً في مقالات متعدّدة في العدد 12 من هذه المجلّة، وكذلك الخاصّ بالسيد الإمام الخميني رضوان اللّٰه عليه، الذي كان يحمل همّاً عظيماً، وبذل جهوداً مشهودةً طيلة حياته