186وما إن حلّ الدِّين بنبيّه وأتباعه في يثرب حتّى بادر زعماء هذه الطوائف: حي ابن أخطب زعيم بني النضير، وكعب بن أسد زعيم بني قريظة، ومخيريق زعيم بني قينقاع، يدرسون الحالة الجديدة التي حدثت في يثرب، وما يمكنهم فعله إزاءها، فكان قرارهم أن يهادنوا هذه الدعوة.
تقول الرواية: «. . . وجاءته اليهود فقالوا: يا محمّد إلى ما تدعو؟
فقالوا له: قد سمعنا ما تقول، وقد جئناك لنطلب منك الهدنة، على أن لا نكون لك ولا عليك، ولا نعين عليك أحداً، ولا نتعرّض لأحد من أصحابك، ولا تتعرّض لنا، ولا لأحد من أصحابنا، حتى ننظر إلى ما يصير أمرك، وأمر قومك.
فأجابهم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إلى ذلك، وكتب بينهم كتاباً: ألّا يعينوا على رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، ولا على أحد من أصحابه، بلسانٍ ولا يد، ولا بسلاح ولا بكراع في السرّ والعلانية، ولا بليل ولا نهار. اللّٰه بذلك عليهم شهيد، فإن فعلوا فرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله في حلٍّ من سفك دمائهم وسبي ذراريهم ونسائهم، وأخذ أموالهم، وكتب لكلّ قبيلة منهم كتاباً على حدة. . .» 1.
وشكّل هذا المرحلة الأولى بين الطرفين في المدينة، المسلمين واليهود، وكانت هذه المرحلة قد مهّدت الطريق للمرحلة الأخرى ألا وهو كتابة الصحيفة المعروفة، التي تعدّ أوّل عهد أو عقد أو ميثاق لبناء التعايش الاجتماعيّ والسياسيّ في مجتمع المدينة، فقد دوّنه رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله لبناء حالة اجتماعية تعاقديّة وتعارقيّة، تحفظ التنوّع والانتماءات الدينيّة بين أبناء ذلك المجتمع الذي يضمّ الفئة المسلمة المهاجرين والأنصار، واليهود الذين يعودون إلى طوائف شتّى.
وقد ظلّت هذه الصحيفة - على اختلاف تسمياتها بما تحمله من بنود - تشكّل