169
2 - الحجّ في الأدب الجاهلي في الحجاز والجزيرة العربية:
ارتبط تاريخ اللغة العربية بتاريخ مكّة المكرّمة منذ أن بنى إبراهيم عليه السلام الكعبة (البيت الحرام) في الوادي المبارك بمكّة المكرّمة، فنشأت اللغة العربية العدنانيّة نسبة إلى عدنان بن إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، ولم تنشأ هذه اللغة مصادفة، بل لقد كان للحج دور في تكوينها وتطويرها وتحسينها، متفاعلاً في ذلك مع الأسواق العربية التجاريّة والأدبية التي تقام في مواسم الحج، في عكاظ ومجنة وذي المجاز وغيرها من الأسواق العربية 1، التي كانت تُقام قريباً من مكّة المكرّمة وفي الطريق إلى الحج أو في الطريق من الحج، حيث يظل الحج أيضاً عاملاً هاماً في هذه الأسواق، وفي كل ما جلبته من الخير على اللغة العربية، فقد كانت تفعل فعلها البطيء في تجميع العرب وتقريب مجتمعاتهم، فكانت تعتبر إرهاصاً ببوادر الدعوة النبويّة على يد الرسول محمّد بن عبداللّٰه صلى الله عليه و آله 2.
وكانت أكثر هذه الأسواق حولية تُقام في أيام معلومات في كلّ عام، وكانت ميداناً لغير البيع والشراء والتجارة؛ فقد كان فيها تناشد الأشعار، وكان فيها تفاخر وتأثّر، وتنافر ومقارعة ومعاظمة، فيفوز في هذا أقوام ويخسر آخرون، وتحتفل العرب لها الاحتفال اللائق بها، وكان لهم حكّام معلومون يفضّون المشاكل بين القبائل، ولهم محكّمون يحتكم إليهم الناس في مناظراتهم وأشعارهم، كما لهم في هذه الأسواق خطباء 3.