10أمّا الاعتبار: فإنّ الطرق المألوفة المأهولة المأمونة، والأبعد عن الوعورة، والتي يمكن التبلغ فيها من الماء وغيره بسبب المرور على المياه والقُرى. ووضع الأميال والمسالح إنّما هو طريقا الجحفة والعقيق. وأمّا التقحم في غيرها فلا يتيسّر إلّا لنادر من البدور وفي نادر من الأيّام، فيبعد حمل الرواية عليها لو اقتضاه لفظها.
وأمّا سَوْقها: فلأنّ الغير المذكور هو ما يخرج فيه من المدينة، ويؤخذ في السير فيه ممّا لا يفضي إلى الشجرة، فالمغايرة ظاهرة في كونها في الخروج، والأخذ في السير المعتاد المفضي إلى الشجرة، وأنّه طريق واحد، ولا دلالة فيها على أنّ المراد من الطريق المدينة ما كان إلى مكّة، بل إفراد لفظه وتعدّد طرق المدينة المعتادة إلى مكّة ينافي ذلك، ويقتضي أيضاً الظهور في طريقها إلى الشجرة.
وأمّا الإطلاق: فلأنّ الغيرية تصدق على وجه الحقيقة، لو سار نصف الطريق المألوفة إلى مكّة أو ثلثيها على غير طريق الجحفة، أو طريق العقيق، ثمّ عدل على أحدهما.
سلّمنا دلالة الصحيحة على أنّ الخارج من المدينة حكمه الإحرام من محاذاة الشجرة إذا لم يمرّ بالجحفة أو العقيق، ولكن من أين لها الدلالة على أنّ كلّ من لا يمرّ بميقات يحرم من محاذاة الشجرة، وإن كان على طريق الشام أو نجد؟ وأين دلالة الصحيحة على أنّهما يحرمان من أبعد المواقيت عن مكّة؟ وقصارى دلالتها على أنّ من كان ميقاته الشجرة يحرم من محاذاتها، لا لأنّها أبعد المواقيت، بل لأنّ الشجرة ميقات المدنيّ، وإن اتّفق كونها من حيث الوضع أبعدها.
وغاية مايستفاد من مناطها، أنّ من لم يمرّ في طريقه على ميقاته الموظّف لجهته، فإنّه يحرم من محاذاة ذلك الميقات. وقد دلّت الروايات 1على أنّ ميقات أهل الشام ومصر والمغرب هي الجحفة، ولا أقلّ من اقتضائها أنّهم يسيرون محلّين في طرقهم المعروفة إليها إلى أن يبلغوها. و من أين يجيء تقييد إحلالهم بأن يكون إحرامهم منها؟