56ذلك الجمع الطيّب، ومن الذين اتّصفت شخصياتهم بأجمل ما يتحلّى به الباحث العلمي، وهو الإنصاف واحترام الآخر وعدم التحامل على مخالفه فيما يؤمن به وفيما يطرحه من أفكار، فتراه يستمع إلى آرائهم، فيسلّم للصحيح منها، ويناقش غيره بكلّ سعة صدر وحسن خلق. . . كلّ ذلك لمسناه في عدد من المؤرّخين في بلد الحرمين الشريفين، وعبر حوارات تتّسم بالمودّة وبالبحث عن الحقيقة أينما وجدها الإنسان التقطها، جرت بينهم وبين آخرين من مذاهب أخرى.
وقد التحق الدكتور بن دهيش بأخلاقه ودقّته العلمية بركب المؤرِّخين المنصفين، الذين خدموا التراث خدمة علميّة مخلصة تستحقّ الوقوف عندها، والاستنارة بما حوته، والاستفادة ممّا توفّرت عليه.
ونحن إذ نقف عند هذا المحقّق الباحث ومؤلّفاته نقدّم خدمة وإن كانت متواضعة لتراثنا بذكر عَلمٍ من أعلامه المعاصرين، الذين تمتّعت حياتهم الشخصية بسيرة طيّبة، وحياتهم العلمية الخصبة والغنيّة بمنهج علمي رائع، فبوقفتنا هذه نكشف للقارئ الكريم والمتتبّع الجاد أهمّ خصلة في هذا الرجل تنفع كثيراً كلّ من أراد أن يكون منصفاً دقيقاً في علاجه للمشاكل وفي مناقشاته للأحداث وفي سرده للوقائع ودراستها؛ ليُعطي بعد ذلك حكمه فيها بلا تحيّز ولا تطرّف. .
فإنصافه ومنهجه العلمي ودقّته العالية هو الخصلة الرائعة فيما يؤلّف ويكتب وفي دراساته وتحقيقاته، فقد كان يتمتّع بنَفسٍ علمي وعلمي فقط بعيداً عن الضغائن التي كثيراً ما اتّصفت بها أقلام آخرين، فكانوا من الذين ابتعدوا عن الأمانة العلمية في نقدهم وفي إجاباتهم عمّا يطرح عليهم من أسئلة، ولم يكتف بعضهم بهذا القدر ويقف عنده، بل راح يلوذ بشتائم واتّهامات للآخرين ممّن هم علىٰ غير مذهبه، ما لها من حجّة ولا دليل.