46ومن اللّازم هنا التذكير أنّ «الجمرات» يقيناً ليست من الألفاظ التي لها حقيقة شرعية أو متشرّعة، وعلىٰ هذا ينبغي الرجوع في فهم معناها إلى كتب اللغة، وأنّ إطلاقها على المواضع الثلاثة، إنّما هو من قبيل إطلاق الكلّي على الفرد، ثمّ صارت هذه الكلمة بالتدريج علماً لهذه المواضع.
متىٰ بُنيَت هذه الأعمدة؟
إنّه سؤال مهمّ قلّما أُجيب عنه، وربّما لم يمكن العثور على جواب دقيق عنه.
ولكنّ القرائن الكثيرة، التي تستفاد من كلمات فقهاء الشيعة والسنّة، وكذلك من كلام اللغويّين، تشير إلى أنّ هذه الأعمدة لم تكن موجودة في عصر رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام وقدماء الأصحاب، ثمّ وُجِدت في العصور التالية. ويُحتمل احتمالاً قويّاً أنّ بناءها من أجل أن تكون علامة على هذا الموضع، ثمّ تُصوِّر بالتدريج أنّ الأعمدة هي التي تُرمىٰ، وراح هذا التصوّر يقوىٰ بمرور الزمان.
وقد جاء في كلمات كثير من الفقهاء - كما رأينا في البحوث المتقدّمة - أنّ الرمي يجب أن يكون للأرض، وفي العصور المتأخِّرة، قال بعضهم بالتخيير بين رمي العمود ورمي الأرض، حتّى وصل الأمر ببعضهم أن جعل رمي العمود هو المتعيّن!
شهادة الروايات
لقد وردت روايات رمي الجمرات في كتاب «وسائل الشيعة» على قسمين:
الأوّل: في أبواب «رمي جمرة العقبة» ، إذ ذُكرت في ضمن سبعة عشر باباً روايات وفيرة حول أحكام الجمرات، ولكن لا نجد في أيّ منها تفسيراً وتوضيحاً للجمرة، وهل هي العمود، أم مجتمع الحصىٰ؟
ثمّ ذُكرت من جديد أحاديث أخرىٰ كثيرة بعد أبواب الذبح والتقصير، تحت عنوان «أبواب العَود إلى منىٰ ورمي الجمار. . .» تتحدّث في ضمن سبعة أبواب عن رمي الجمرات الثلاث بعنوان أعمال اليوم الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجّة، ولا نجد في أيّ من هذه الروايات أيضاً كلاماً حول تفسير الجمرات.