192وقد يسأل سائل: لماذا لم يصفح بلال الصفح الجميل؟
إنّ من يطلب ذلك، عليه أن يجعل نفسه مكان بلال نفسه، وأن يمرّ بما مرّ به بلال وما ناله من معذِّبيه، ونترك خالد محمّد خالد يجيب عن هذا التساؤل:
لا أظنّ أنّ من حقّنا أن نبحث عن فضيلة التسامح لدى بلال في مثل هذا المقام.
فلو أنّ اللقاء بين بلال وأميّة تمّ في ظروف أخرى؛ لجاز لنا أن نسأل بلالاً حقّ التسامح، وما كان لرجل في مثل إيمانه وتقواه أن يبخل به.
لكن اللقاء الذي تمّ بينهما، كان في حرب، جاءها كلّ فريق ليفني غريمه. .
السيوف تتوهّج، والقتلى يسقطون. . . والمنايا تتواثب، ثمّ يبصر بلال أميّة الذي لم يترك في جسده موضع أنملة إلّاويحمل آثار تعذيبه. .
وأين يبصره وكيف؟
يبصره في ساحة الحرب والقتال، يحصد بسيفه كلّ ما يناله من رؤوس المسلمين، ولو أدرك رأس بلال ساعتئذ؛ لطوّح به. .
في ظروف كهذه يلتقي الرجلان فيها، لا يكون من المنطق العادل في شيء أن نسأل بلالاً: لماذا لم يصفح الصفح الجميل؟ !
بلال والفاجعة الكبرى
ظلّ بلال مواكباً لرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله طيلة حياته الإيمانيّة معه، قريباً منه، وعينان تتبركان برؤيته. . فدخل بلال على رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إلّاأنّه في هذه المرّة وجده مسجّى على فراشه.
فما كان منه وهو الحبيب إلّاأن انحدرت دموعه غزيرة، واستقرّ حزنه في قلبه.
نزل الأمر المحتوم، صلّى على الجثمان الطاهر، ثمّ خرج ودموعه على وجنتيه. .
وما إن دفن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله حتى جلس بلال في زاوية من زوايا المسجد وحده