115القصد، والمراد بالعبادة أعمال خاصّة كما بيّناه.
وقولك: «إنّ ذلك حقيقة دين المشركين، كقوم نوح وعاد وثمود» كيف ذلك، وقد أخبر اللّٰه عنهم بقوله: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍوَثَمُودَ ، إلى قوله: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ 1. وأخبر عن قوم (عاد) أنّهم قالوا لهود: وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ 2، وعن قوم صالح أنّهم قالوا له: أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا 3، وعن قوم شعيب أنّهم قالوا له: أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا 4، وعن قوم إبراهيم أنّهم كذّبوا الرُّسل؟
فهؤلاء الطوائف بصريح القرآن كذّبوا الرّسل، وردّوا قولهم، وعاندوهم، فلو كانوا مقرّبين؛ لكانوا كفّاراً لكفر العناد ككفر إبليس.
فيا أخي أقسمتُ عليك بمَنْ خَلَقَنا من تراب، ثمّ أودعنا الأصلاب أن تترك الجدال، وتتأمّل في حقيقة الحال، كيف تُشَبِّهُ أعمال المسلمين بأعمال عَبَدَة الأصنام وغيرها مع أنّهم أنكروا نبوّة الأنبياء، وردّوا عليهم بعد أن أمروهم، ولم يسمعوا لهم قولاً، ولا قبلوا لهم فعلاً؟ !
ثمّ إنّهم عبدوا طواغيتهم بالعبادة الحقيقيّة؛ لاعتقاد أنّ لهم تصرّفاً في الأكوان، أو في إرضاء الملك الدّيان، وإلّا لم يذمّهم الرحمن، ولا أنكر عليهم كلّ فعل كان.
ثمّ تعلّلوا بأنّا لا نقدر على عبادة اللّٰه سبحانه، فنعبدهم ونكتفي بعبادتهم وهم يقرّبونا، كما أوردنا بذلك بعض الروايات في بعض المقامات.
وعلى كلّ حال، لا يتأمّل مسلم في أنّ العبادة الحقيقيّة من الصلاة والصيام