109فإذا كان اللّٰه قد نهى على لسان أنبيائه عن عبادة الأصنام والصالحين من الأنام، على نحو عبادة الصلاة والصيام، ففعلُهم بعد ذلك ردٌّ لكلام العليم العلّام.
وكشف الحقيقة: إنّ العبادة إن اُريد بها مجرّد الامتثال والطاعة، كانت الزوجة، والأمَة، والعبد، والخادم، والأجير، ونحوهم، عابدين لغير اللّٰه.
وإن اُريد الامتثال والانقياد للعظيم في ذاته، المستوجب للطاعة، لا بواسطة أمر غيره، فأين ذلك من أفعال المسلمين؟ !
فاُقسمُ عليك بمَنْ سلّطَكَ على طائفة من عباده، ومكّنك من كثير من بلاده، أنْ تخلي نفسك من حب الانفراد، الباعث على الامتياز بين العباد، وتحذر من قولهم «لكلّ جديد لذّة» ، و «خالِف تُعرفْ» . كما أنّي اُحذِّر نفسي، وأصحابي من حبّ اتّباع الآباء والأجداد، وإرادة الدخول في الجماعة، وكراهة الانفراد.
وأمّا ما صدر من أهل الإسلام، فإنّما هو عن أمر زعموه، فإنْ كان حقّاً أُثيبوا، أو كان خطأً فكذلك.
فأين حال المسلمين من حال مَنْ جعل الآلهة ثلاثة، أو اثنين، واتّخذ الملائكة أرباباً، واتّخذ بعض المخلوقين أنداداً وشركاء، يُعبَدُون من دون اللّٰه أو مع اللّٰه، إمّا لأهليّتهم، أو لترتّب التقرّب إلى اللّٰه زُلفى من دون أمر اللّٰه لهم بذلك، قال تعالى: مَا أَنزَلَ اللّٰهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ 1؟ !
ورُوي أنّ (قريشاً) كانوا يعبدون الأصنام، ويقولون: ليقرّبونا إلى اللّٰه، ولا طاقة لنا على عبادة اللّٰه، وسيجيء في بعض المقامات الآتية ما يكشف عن حقيقة ذلك.
وإن أردتَ تمام الكلام في هذا المقام، فانظر بعين البصيرة إلى ما نحاول في هذا المقام تحريره.