236التخلّي عن هويّته الفارسية. . واتّخذ بدلاً منها هويّة درويش متجوّل 1.
وعن سبب إقدامه على هذه الخطوة، يقول بورتون: «لقد أصلحت لقبي وعدّلته من ميرزا عبداللّٰه إلى الشيخ عبداللّٰه. إذ ليس هنالك من شخصيّة مناسبة للتخفّي في العالم الإسلامي أكثر من شخصية الدرويش. فهذه الشخصية يمكن لأيّ رجل من أيّ طبقة أن يتلبّسها، من أي عمر أو من أي مذهب، فالنبيل الذي أُهين في بلاط أحد الملوك يمكنه تلبُّس تلك الشخصية، وكذلك الفلّاح الذي لا يرغب لكسله في حراثة الأرض، أو أولئك الفاسقون الذين تعبوا في مسالك الحياة، أو أولئك الشحّاذون الذين ينتقلون من باب إلى باب. . جميعهم يستطيعون أن يصبحوا دراويش.
وفوق ذلك فالدراويش يسمح لهم بتجاوز أو تجاهل أصول الأدب والمعاملة كأشخاص قد انسلخوا عن المجتمع، وتوقّفوا عن الظهور علىٰ مسرح الحياة. فهو يستطيع أن يصلّي أو لا يصلّي حسبما يريد. ويمكنه أن يتزوّج أو يظلّ عازباً حسب رغبته، ويمكنه أن يرتدي الملابس أو لا يرتدي شيئاً، ولا يمكن أن يُوجَّه أي سؤال لذلك المتشرّد المعفى من المسؤوليات، لماذا أتىٰ هذا المكان أو ذاك؟» .
ثمّ يضيف بورتون بشكل طريف:
«كلّما كان الدرويش متكبّراً متعجرفاً على الناس زاد احترامهم له» 2.
على أنّ بورتون عاد وبدّل هويته وجنسيّته، بعد فترة من تنكّره بزيّ درويش، منتحلاً شخصية اُخرى، كانت هذه المرّة مواطناً بريطانياً من أصل أفغاني درس الطبّ في الهند.
وكان لون بشرة بورتون (ربما بفضل أصوله الغجريّة) قريباً من العرب ممّا ساعده في تنكّره.
وروى بورتون أنّه اشترىٰ عدداً من الثياب الأنيقة لرحلته؛ ذلك أنّه اكتشف أهمّية الإناقة في منطقة «تنظر إلى الذين لا يهتمّون بمنظرهم كفقراء، وإلى الفقير كنصّاب، إلّاإذا كان ينتمي إلى طريقة أو زاوية دينية» 3، وكان بين مشترياته أيضاً مظلّة صفراء واسعة «تشبه حديقة مرتفعة الأعناق» ،