218فَهَبّتْ علينا نَفَحات القبول من ذلك الخباب، ونفحتنا أرواحُ الرَّحمة فاجتلينا 1المحبوب مِن وراء الحجاب، وأقمنا كذلك ثلاثة أيّام، وهي العادة في ضيافة العرب الكِرام، وفي كلّ ليلةٍ يتجدّدُ لنا مِنَ اللّطائف والظُّرف، والطرائف والزُّلف، ما تَقْصُرُ الألسنة عن نَعْتها، وما ترىٰ مِنْ آية إلّاهِي أكبر من اُختها 2، ولمّا نَشبت قلبي بأهداب تلك الخيام، ووطّن نفسه دون بقيّة الجسد على المُقام، خادعتُ مَرامه، وأنشدتُ أمامه:
للّٰه أيُّ هوًى يُرامُهُ
ولمّا استلفتُ نجائب الرِفاق، وتهادينا تُحف الأسواق، وتَشاركنا روعة الفِراق، أعدى المطايا تشاكبة الغِرام، فلو أمّن مِن زَجْرة الحادي رجعن بنا، وحين حَمِدْنا السَّرى، ووصلنا إلى اُمّ القرىٰ، وعَلِمْنا أنّا أضياف اللّٰه، فوَثِقْنا منه بحُسن القِرىٰ، وتبدّت لنا الكعبة الغرّاء في أستارها، وتجلّلتْ علينا المليحةُ في أنوارها:
وضعنا جُباهاً في الّذي قَدْ تهلّلتْ
وحين وقع نظري عليها، ومَثلتُ لديها، أنشدتُ بلسان الخُضُوع، وكتبتُ بماء الدُّموع:
ياربَّ ذا البيت قد وافيتُ ساحته
خَجْلانَ أحمِلُ بين الناس أوزاري
فَاجعل قِراي وإن لم استَّحقّ قِرًى
بما تحمّلتُه عِتْقي مِنَ النّارِ
وحين أخذنا في طواف القدوم، عَجّل لنا الحقُّ الكرامة بموجوده على المعدوم، فجادت السَّماءُ بمائها، وسُحب الرَّحمة من أرجائها، وقضينا المناسك مهتدين بقاضي