203الغربي المعاصر.
فالمدرسة الماركسية ترىٰ في مستوىٰ تطور القوى التقنيّة معياراً للتقدم والتأخر، والمدرسة الاجتماعيّة ترىٰ أنّ الحالة الفكريّة مقياس لخطّ التطور التاريخي.
وعلىٰ قاعدة ما تقدّم ترسي نظرة اختلالية لمقاييس التقدّم والتقهقر، تفصل بين مقاييس العدل ومقاييس القوّة (التكنولوجيا، العلوم) ، لتذهب أبعد من ذلك حيث تجعل مقاييس العدل ملحقة بمقاييس القوّة أو تابعة لها. من هنا نفهم تحوّل هذه المدرسة تدريجيّاً إلىٰ أداة بيد المجتمعات الصناعيّة في مواجهة المجتمعات المستتبعة، تعمل علىٰ تبرير ما تقوم به الأولىٰ من تخريب بحقّ المجتمعات الأقل تطوراً علىٰ مستوى القوّة والثروة. حتّىٰ إنّ المرء يشك فيما إذا كانت الفلسفات الغربيّة المعاصرة، قد استنسبت المقاييس التي يمتاز بها المجتمع الصناعي؛ وجعلتها ميزاناً للحقّ والعدل أيحقّها هي وعدلها هي بالذات. من هنا نجد سهولة تحوّل هذه الأيديولوجيات إلىٰ لغة تبريريّة لعنف المجتمعات الصناعيّة في مواجهة المجتمعات المستتبعة. ألم يحتل نابليون مصر تحت شعارات الثورة الفرنسيّة؟ ثمّ ألم يجتح الاتحاد السوفياتي افغانستان تحت شعار التقدّم والاشتراكيّة؟ . . . إنّ هذه الفلسفات تأكل شعاراتها أثناء الطريق بعد أن تكون قد جعلت منها ترسا حصيناً تحمي به جسمها. فمبدأ المساواة في الفكر اللبرالي، ومبدأ ضرب الاستغلال في الفكر الماركسي، تمّ التهامهما من قبل هاتين المدرستين علىٰ طاولة الآلة وحريّة السوق. فالمساواة والحريّة هنا، هما حريّة مالك الآلة ومالك السوق. . .
لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يتصالح الفكر الإسلامي مع هذه الفلسفات. إذ لا يمكن بحال من الأحوال أن ينظر المسلمون إلى المجتمع الفرعوني علىٰ أنّه متقدّم عن مجتمع إبراهيم الخليل، بسبب القوّة المدنيّة والماليّة التي يتمتّع بها المجتمع الفرعوني.