200أو الطبقي وما شابه من علاقات اجتماعيّة مختلفة إلىٰ ظاهرة إيجابيّة قادرة علىٰ استيعاب وضعيّتها هذه وتخطيها، انطلاقاً من عقيدتها التوحيديّة ومن المؤسسات التوحيديّة المختلفة التي تشكل دوائر متكاملة ضمن المسار نفسه.
بهذا المعنىٰ يحتلّ الحجّ موقعاً متميّزاً في عمليّة بناء الذات المسلمة، بموجب أهداف محدودة ووسائل تاريخيّة محدّدة.
فالحجّ توجّه يحاول إرساء علاقات وممارسات محدّدة تتخطّىٰ حدود العلاقات والممارسات التي يعيشها المسلم في مجتمع ومحيط معينين.
فعندما يأخذ المسلم قراراً بتأدية فريضة الحجّ، يكون قد دخل في مسار سلوكي يحتم عليه اتخاذ جملة من القرارات الواعية، تبدأ بتنفيذ شروط القيام بالحجّ وما يستلزمها من دفع الزكاة والخمس، والبدء بمراقبة حازمة لسلوكه إذ يضع نفسه في موضع المراقب من قبل نفسه والجماعة المحيطة به. هذا المناخ الجديد يلاحقه، من لحظة توجهه إلى الحجّ وفي أثناء الحجّ وفي المرحلة اللاحقة، والتي تمتدّ إلىٰ آخر العمر 1في مجمل علاقاته مع الناس.
إنّ هذا القرار الواعي بتأدية فريضة الحجّ، يستتبع جملة من الممارسات الواعية في مراحل الحجّ المختلفة.
إنّ السفر وما يمكن أن يكتنفه من متاعب وهجر لمجمل العلاقات العائليّة والاجتماعيّة المختلفة، التي يكون قد استقرّ عليها المسلم، تخلق في نفسه مناخاً جديداً، متحرّراً من ضغط الولاءات المعاشة، ومنخرطاً في عمليّة معاناة تحريرّية تضع عبوديّته للّٰهمن جديد في الموضع الأوّل، وذلك في مواجهة العبادات «الوثنيّة المختلفة من سلطة ومال وجاه. . . ففي الإحرام ينزع عنه ثيابه، ويتخفف في الملبس مجارياً بذلك الحجاج الآخرين، إلىٰ أيّ مجتمع انتموا، وإلىٰ أيّة فئة انتسبوا. ونزع الثياب هنا كشكل ذو دلالة رمزيّة، تؤكّد نزع الملبس والامتياز السلطوي أو المالي الذي يرمز إليه، مؤكّداً انتماءه إلى اللّٰه وتساويه المطلق مع باقي المسلمين.