129
تقصروا من الصلاة . ولعلّ هذا كقوله لمن عليه صلاة الظهر مثلاً، وظنّ أنّه لا يجوز فعلها عند الغروب، فسأل عن ذلك: لا جناح عليك إن صلّيتها في هذا الوقت، فإنّه جواب صحيح، ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر. . . 1.
فيما ذكر البيضاوي في تفسيره الإجماع على أنّه مشروع في الحجّ والعمرة، وإنّما الخلاف في وجوبه، فعن أحمد أنّه سنّة، وبه قال أنس وابن عبّاس؛ لقوله تعالى:
فلا جُناح عليه. . . فإنّه يفهم منه التخيير. ثمّ عقّب قائلاً: وهو ضعيف؛ لأنّ نفي الجناح يدلّ على الجواز الداخل في معنى الوجوب، فلا يدفعه. . . 2.
وتحقيق القول فيه - كما يقول ابن العربي - أنّ قول القائل: لا جناح عليك أن تفعل، إباحة الفعل.
وقوله: لا جناح عليك ألا تفعل، إباحة لترك الفعل.
فلمّا سمع عروة قول اللّٰه تعالى: فلا جناح عليه أن يطوّف بهما . قال: هذا دليل على أنّ ترك الطواف جائز، ثمّ رأى الشريعة مطبقة على أنّ الطواف لا رخصة في تركه، فطلب الجمع بين هذين المتعارضين.
فقالت له عائشة: ليس قوله: فلا جناح عليه أن يطوّف بهما دليلاً على ترك الطواف، إنّما يكون دليلاً على تركه لو كان «فلا جناح عليه ألّا يطوّف بهما» فلم يأتِ هذا اللفظ لإباحة ترك الطواف، ولا فيه دليل عليه؛ إنّما جاء لإفادة إباحة الطواف لمن كان يتحرّج منه في الجاهلية، أو لمن كان يطوف به في الجاهلية قصداً للأصنام التي كانت فيه فأعلمهم اللّٰه سبحانه أنّ الطواف ليس بمحظور إذا لم يقصد الطائف قصداً باطلاً» 3.
وقال ابن قدامة: . . . وقول عائشة في ذلك - بكونه ركناً - معارض بقول من خالفها من الصحابة. . 4.
ويقول صاحب تفسير التحرير والتنوير:
ونفي الجناح عن الذي يطوف بين الصفا والمروة، لا يدلّ على أكثر من