128يقتضي أن يكون المراد من هذا التطوّع هو الطواف المذكور أوّلاً، بل يجوز أن يكون المقصود منه شيئاً آخر.
وراح يستشهد بآية اُخرى على صحّة هذا، فقال: قال اللّٰه تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ثمّ قال: فمن تطوّع خيراً فهو خير له فأوجب عليهم الطعام، ثمّ أندبهم إلى التطوّع بالخير، فكان المعنى: فمن تطوّع وزاد على طعام مسكين كان خيراً، فكذا هاهنا يحتمل أن يكون هذا التطوّع مصروفاً إلى شيء آخر، وهو من وجهين:
أحدهما: أنّه يزيد في الطواف، فيطوف أكثر من الطواف الواجب مثل أن يطوف ثمانية أو أكثر.
والثاني: أن يتطوّع بعد حجّ الفرض وعمرته، بالحجّ والعمرة مرّة ثانية، حتّى طاف الصفا والمروة تطوّعاً. . . 1.
أمّا الآلوسي في تفسير روح المعاني فيقول: . . . فلمّا جاء الإسلام وكسرت الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين، فأنزل اللّٰه تعالى هذه الآية.
ومنه يعلم دفع ما يتراءى أنّه لا يتصوّر فائدة في نفي الجناح بعد إثبات أنّهما من الشعائر، بل ربما لا يتلازمان، إذ أدنى مراتب الأوّل الندب وغاية الثاني الإباحة.
وقد وقع الإجماع على مشروعية الطواف بينهما في الحجّ والعمرة؛ لدلالة نفي الجناح عليه قطعاً، لكنّهم اختلفوا في الوجوب.
فروى أحمد أنّه سنّة، وبه قال أنس وابن عبّاس وابن الزبير؛ لأنّ نفي الجناح يدلّ على الجواز، والمتبادر منه عدم اللزوم كما في قوله تعالى: فلا جناح عليهما أن يتراجعا. وليس مباحاً بالاتّفاق ولقوله تعالى: من شعائر اللّٰه فيكون مندوباً.
ثمّ راح الآلوسي يضعف هذا بقوله: بأنّ نفي الجناح وإن دلّ على الجواز المتبادر منه عدم اللزوم، إلّاأنّه يجامع الوجوب فلا يدفعه ولا ينفيه - والمقصود ذلك - فلعلّ هاهنا دليلاً يدلّ على الوجوب كما في قوله تعالى: لا جناح عليكم أن