126
فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جُناح عليه أن يطوّف بهما قال: هما تطوّع، مَن تطوّع خيراً فإنّ اللّٰه شاكرٌ عليم قال: هذا حديث حسن صحيح» 1.
وأخرج عن سفيان بن عاصم الأحول قال: سمعت أنساً يقول: الطواف بينهما تطوّع. . أي تبرّع ومندوب إليه.
وهذا أبو حنيفة قد احتجّ لعدم ركنية هذا المنسك مكتفياً بوجوبه من أدلّة خارجة عن الكتاب؛ لأنّ الآية عنده ليس فيها ما يدلّ على وجوبه فضلاً عن ركنيّته، فقال كما ينقل الرازي في تفسيره: احتجّ أبو حنيفة لعدم الركنيّة بوجهين:
أحدهما: هذه الآية فلا جُناح. . . قال: وهذا لا يُقال في الواجبات، وقد أكّده تعالى بقوله: ومن تطوّع خيراً. . . فبيّن أنّه تطوّع وليس بواجب.
وثانيهما: قوله صلى الله عليه و آله: «الحجّ عرفة» ومن أدرك عرفة فقد تمّ حجّه. . .» .
وهنا راح الرازي يردّ ذلك، نكتفي بردّه عن الوجه الأوّل محلّ كلامنا، فيقول:
والجواب عن الأوّل - والكلام للرازي - من وجوه:
الأوّل: ما بيّنا أنّ قوله فلا جُناح عليه ليس فيه إلّاأنّه لا إثم على فاعله، وهذا القدر المشترك بين الواجب وغيره، فلا يكون فيه دلالة على نفي الوجوب.
ثمّ راح يثبت له ذلك بآية اُخرى حيث يقول:
والذي يحقّق قوله تعالى: فليس عليكم جُناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم والقصر عند أبي حنيفة واجب، مع أنّه قال فيه: فلا جُناح عليه فكذا هنا.
الثاني: أنّه رفع الجناح عن الطواف بهما لا عن الطواف بينهما، وعندنا الأول غير واجب، وإنّما الثاني هو الواجب.
الثالث: قال ابن عبّاس: كان على الصفا صنم وعلى المروة صنم، وكان أهل الجاهلية يطوفون بهما ويتمسّحون بهما، فلمّا جاء الإسلام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين، فأنزل اللّٰه تعالى هذه الآية.
إذا عرفت هذا، فنقول: انصرفت الإباحة إلى وجود الصنمين حال الطواف لا