48. . . فإذا تمّ لأبي طالب الفقير المعسر بعض أمره في جوار كعبة الحرم، فإنّ أمره هذا لجليل في عيون القوم لأنّه اكتسب أبلغ شرف بأشرف جوار في أقدس دار، فكيف لو تمّ له أمره ذاك بغير سابق ترتيب منه، بل بصدفة هي عند أولئك الناس منّة منّ اللّٰه وحظوة أراد أن يشرف بها ابن عبد المطّلب كما لم يشرف بمثلها قبله أو بعده من الرجال كثير ولا قليل؟
* * *
تلك ليلة فذة في الليالي، أضاء نجمها على الدنيا مرّه ثمّ لم يقدر بعدها لضوئه أن يبزغ ثانية كمثل بزوغه لأنّ مثيلاتها لا تعود. ولكن ضياء أشدّ لمعاناً من نور النجم توهّج، ثمّ سطع، ثمّ فاض بنوره على الآفاق سيرة كوجه الشمس رفاقة الإشراق. . سيرة إن فاتها أن تنفرد وحدها بالمبنى الساحر فقليل سواها ضمّ ما كان لها من معنى قاهر، بل أقلّ القليل، بل الأندر منه. ولو أنّك استطعت أن تتحلّل من شباك الزمن وتنفض خيوطها عنك، وسبحت عائداً إلى الماضي لرأيت ابنة أسد - فاطمة - تجول بالبيت الحرام تلتمس البركة، لأنّها سيّدة تجمّعت فيها مزايا آلها الكرام وامتلأ - كمثلهم - قلبها طهراً. ثمّ لرأيتها تأتي الكعبة فتطوف بها مرّة فمرّات متمسّحة بأستارها آونة مقبّلتها أُخرىٰ. ولكنّك لا تلبث حتّى تشهدها وقد أوشك أن يصيبها أعياء تكاد أن تنوء به، وتنكر هي - بادئ الأمر - ما تحسّه، ثمّ تمضي متجلّدةتستحثّ نفسها وتستنهضها. ولكنّها رغم هذا لا تقوىٰ، ولا تستطيع أن تقوم عودها. وإذا هي تتشبّث أصابعها بأستار الكعبة تستعين بها وقد أخذت تحسّ شيئاً غاب عن ذهنها، وتقف مجهودة لا يستقرّ بها موطئ القدمين، كمن علىٰ طرف كثيب رخو من الرمال. وتجيل فيما حولها عيناً حائرة لعلّها تبصر زوجها أبا طالب يسعى هنا أو هناك فتجد لديه عوناً على ما تلقىٰ، ولكنّها لا تراه لأنّ ما حضرها في هذه اللحظة غاب عن حسابه. .
ثمّ لعلّك تتبعها وقد خشيت هي أن تلقفها الأبصار المتطلّعة ممّن حضر من