219ظننتُ أن أُنفذ كلمةً سمعتها من رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله قبل أن تجيزوا عليّ لأنفذتها.
وفي رواية أنّ رجلاً أتى أبا ذر فقال:
إنّ المصدقين - يعني جباة الصدقة - ازدادوا علينا، فنغيّب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟
قال: لا، قف مالك عليهم فقل: ما كان لكم من حقّ فخذوه، وما كان باطلاً فذروه، فما تعدّوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة.
وكان على رأسه فتى من قريش، فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتوى؟
فرفع رأسه اليه ثم قال له: أرقيب أنت عليّ؟ ! لو وضعتم الصمصامة. . .
يقول الأحنف بن قيس: أتيتُ المدينة، ثم أتيتُ الشام، فجمّعتُ (أي شهدت الجمعة) فإذا أنا برجل لا ينتهي الى سارية إلّافرّ أهلها، يصلّي ويُخفُّ صلاته، فجلستُ إليه، قال: قم عني لا أغرُّك بشرٍّ، فقلت: كيف تغرُّني بشرٍّ؟ قال: إنّ هذا - يعني معاوية - نادى مناديه أن لا يجالسني أحدٌ.
وفي رواية أخرى له: كنتُ جالساً في حلقة بمسجد المدينة، فأقبل رجل لا تراه حلقة إلّافروا حتى انتهى الى الحلقة التي كنت فيها، ففروا، وثبتُ، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا أبو ذر صاحب رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، قلت: فما يُفِرّ الناس منك؟
قال: إني أنهاهم عن الكنوز، قلت: فإنّ أعطيتَنا قد بلغت وارتفعت، أفتخاف علينا منها؟ قال: أما اليوم فلا، ولكن يوشك أن يكون أثمان دينكم، فإذا كان أثمان دينكم فدعوهم وإياها.
وكل هذا وغيره لم يثنه عن عزمه، وعن الوفاء بعهده الذي عاهد عليه رسول اللّٰه، وراح يواصل ثورته وكفاحه ضد كنز المال بعد أن رأى أنه عصب خطير وعظيم في حياة الناس؛ لهذا فقد راح ينادي أن للفقراء حقّاً في مال الأغنياء وأنه نصير للفقراء، فاجتمع حوله الكثيرون وناوأه آخرون ممن كان هواهم جمع المال. . .
يقول الأحنف بن قيس كما في سير أعلام النبلاء 1: