220قدمت المدينة، فبينما أنا في حلقة فيها مَلأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال: بشّر الكنازين برَضْفٍ (الحجارة المحماة) يُحمى عليهم في نار جهنم.
قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحداً منهم رجع اليه شيئاً، (أي أجابه بشيىء) فأدبر، فتبعته حتى جلس الى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلّاكرهوا ما قلت لهم، فقال: إنّ هؤلاء لا يعقلون شيئاً، إنّ خليلي أبا القاسم دعاني، فقال: «يا أبا ذر» فأجبته، فقال: «ترى أُحداً» فنظرت ما عليه من الشمس، وأنا أظنه يبعث بي في حاجة له، فقلت: أراه، فقال: «ما يسرني أن لي مثله ذهباً أُنفقه كلّه إلّاثلاثة دنانير» .
ثمّ هؤلاء يجمعون للدنيا، لا يعقلون شيئاً! فقلت: ما لك ولإخوانك من قريش، لا تعتريهم، وتصيب منهم؟
قال: لا وربِّك ما أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق باللّٰه ورسوله.
إضافةً الى كلّ ذلك فإنه لم ينجو من الاتهامات الأخرى، التي اعتاد الحكام على ملء وسائل إعلامهم بها ضد من يخالفهم، فقد اتهموه بأنه من الخوارج ومثير الفتن حتى اضطرته هذه الامور - أحياناً - الى التصدي لها وتفنيدها في مجالسهم، فقد دخل يوماً على عثمان وهو في مجلسه يحيطه جمع، فقال له وقد حَسَر عن رأسه: واللّٰه ما أنا منهم. . . يريد الخوارج ومثيري الفتن.
وكيف يكون من هؤلاء وهو الصادق القائل لرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: والذي بعثك بالحق لالقيتك إلّاعلى الذي فارقتك عليه.
خرج من مجلس الخلافة قاصداً الربذة وهو يقول للخليفة الذي قال له: نأمر لك بنعمٍ من نعم الصدقة تغدو عليك وتروح: لا حاجة لي في ذلك، تكفي أبا ذر صريمته. . . ثم راح يخاطبهم: دونكم معاشر قريش دنياكم فأخذِموها، ودعونا وربّنا.