218قضى سنة في دمشق، وأما في تاريخ اليعقوبي: فكتب اليه أن احمله على قتب بغير وطاء، فقدم به الى المدينة وقد ذهب لحم فخذيه.
أما في مروج الذهب: فحمله على بعير عليه قتب يابس، معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى أتوا به المدينة وقد تسلّخت أفخاذه وكاد أن يتلف.
ومع كلّ ذلك لم يترك أبو ذر جهاده وصرخته بالحق والعدل ضد كلّ ظلم وانحراف وتعدي. فلما قدم أبو ذر المدينة جعل يقول مخاطباً الخليفة: تستعمل الصبيان، وتحمي الحمر، وتقرب أولاد الطلقاء. فما كان من الخليفة إلّاأن سيره الى الربذة 1.
المقاطعة:
وخلال فترة مناهضته للحكام وللأغنياء الذين استحوذوا على الأموال بغير حقّ، وقبل نفيه الى الربذة لإبعاده عن الأمة، تعرّض الرجل الجليل المسنّ الى مضايقات كثيرة وأذى عظيم، فإضافةً إلىٰ منعهم عطاءَه من بيت المال منع الناس من الاتصال به وحضور مجالسه وحلقات دروسه، فقد كانت لأبي ذر حلقات للتفسير والحديث والفتيا، وكان الناس يحتوشونه، بعض يطلب تفسير آية، وبعض يستفتيه، وآخر يقول له: حدّثنا عن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فكانت هذه الحالة وهي كثرة الذين يستفتونه ويأخذون العلم منه تلقي في قلوب بعضهم الخشية منه، حتى منعه بعض أمراء عصره من ذلك، ولكي لا يتصل به أحد فيتأثر بآرائه راحوا يلاحقون مجالسه ويحظرون الاستماع اليه. . .
يقول أبو كثير: حدّثني أبي قال: أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه، فقال: أَلم ينهكَ أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فرفع رأسه اليه ثم قال: أَرقيب أنت عليَّ؟ !
لو وضعتم الصمصامة (السيف القاطع) على هذه - وأشار بيده الى قفاه - ثمّ