25ثمّ يعدّد هذه المنافع الكثيرة، ويرسم بريشته الفنّية الأرواح وهي ترفّ حول بيت اللّٰه وتستروح الذكريات التي تحوم عليه وترفّ كالأطياف.
طيف إبراهيم الخليل عليه السلام وهو يودّع البيت فلذة كبده إسماعيل وأمّه، ويتوجّه بقلبه الخافق الواجف إلى ربِّه: ربّنا انّي أسكنت من ذرّيتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرّم. . . .
وطيف هاجر، وهي تستروح الماء لنفسها ولطفلها الرضيع في تلك الحرّة الملتهبة حول البيت، وهي تهرول بين الصفا والمروة وقد نهكها العطش، وهدّها الجهد وأضناها الاشفاق على الطفل. . ثمّ ترجع في الجولة السابعة وقد حطّمها اليأس لتجد النبع يتدفّق بين يدي الرضيع الوضيء. وإذا هي زمزم ينبوع الرحمة في صحراء اليأس والجدب.
وطيف إبراهيم عليه السلام وهو يرى الرؤيا، فلا يتردّد في التضحية بفلذّة كبده. . .
وطيف إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يرفعان القواعد من البيت، في إنابة وخشوع. . .» .
ويستمرّ (سيِّد) في رسم تلك الأطياف. . إلى أن يقول:
«والحجّ بعد ذلك كلّه مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة. مؤتمرٌ يجدون فيه أصلهم العريق الضارب في أعماق الزمن منذ أبيهم إبراهيم الخليل: ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا . . ويجدون محورهم الذي يشدّهم جميعاً إليه:
هذه القبلة التي يتوجّهون إليها جميعاً، ويلتقون عليها جميعاً. . ويجدون قوّتهم التي قد ينسونها حيناً. قوّة التجمّع والتوحّد والترابط الذي يضمّ الملايين. الملايين التي لا يقف لها أحد لو فاءت إلى رايتها الواحدة التي لا تتعدّد. . راية العقيدة والتوحيد» .
«وهو مؤتمر للتعارف والتشاور وتنسيق الخطط وتوحيد القوى، وتبادل المنافع والسلع والمعارف والتجارب، وتنظيم ذلك العالم الإسلامي الواحد الكامل