59وقد اختلف الباحثون حول أفضلية المدينة على مكّة، فمنهم من فضّل المدينة على مكة، ومنهم من قدّم مكة على المدينة من حيث الفضل، ولكل أدلّة ولا داعي إلى إطالة الكلام في هذا المقال، ونكتفي بذكر ما قاله السمهودي: قد انعقد الإجماع على تفضيل ما ضَمَّ الأعضاء الشريفة حتى على الكعبة المنيفة، وأجمعوا بعدُ على تفضيل مكة والمدينة على سائر البلاد واختلفوا أيّهما أفضل، فذهب عمر بن الخطاب وابنه عبداللّٰه ومالك بن أنس وأكثر المدنيين إلى تفضيل المدينة. . .
وحكاية الإجماع تفضيل ما ضمّ الأعضاء الشريفة نقله القاضي عياض وكذا القاضي أبو الوليد الباجي قبله، كما قال الخطيب ابن جملة، وكذا نقله أبو اليمن ابن عساكر وغيرهم مع التصريح بالتفضيل على الكعبة الشريفة، بل نقل التاج السبكي عن ابن عقيل الحنبلي أن تلك البقعة أفضل من العرش (1) .
وأضاف السخاوي: ولاشك في أن مواضع الأنبياء وأرواحهم أشرف ممّا سواها من الأرض والسماء، والقبر الشريف أفضلها؛ لما تتنزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة التي لا يعلمها إلّامانحها، ولساكنه عند اللّٰه من المحبة والاصطفاء ما تقصر العقول عن إدراكه، ويعمّ الفيض من ذلك على الأمة، سيما من قصده وأمّه (2) .
ويكفيك ما رواه معاوية بن خديج عن النبي صلى الله عليه و آله في هذا المجال قال: أشهد سمعت رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله يقول: المدينة خير من مكة (3) .
2 - المدينة المنوّرة أحبّ الأرض إلى اللّٰه:
ومن فضائل المدينة المنورة أنها أرض أحبّها اللّٰه عزّوجلّ واختارها لنبيه أن يكون بها سكناه ومضجعه بعد أن كان يحب مكة المكرمة.
كما روي عنه صلى الله عليه و آله أنه قال حين توجّه إلى الهجرة: اللهمّ إنك قد أخرجتني من أحبّ أرضك إليّ، فأنزلني أحبّ أرض إليك، فأنزله المدينة، فلما نزلها قال: اللّهم اجعل لنا بها قراراً ورزقاً واسعاً (4) .