259المليئة بالمصاعب والاختبارات والمحن التي تنتظره (12) . فالتحق بجامعة كمبردج عام 1808؛ لدراسة اللغة العربية والطب وعلم الفلك وعلوم اُخرى. وراح يعوّد نفسه على الحياة الصعبة (13) ، حتى وهو في انگلتره، نجد أنه قيّد حياته بقيود جعلته يهجر حياة الترف الغربيّة، فينام على الأرض مثلاً، ويمشي ساعات طويلة، ويأكل الخضر فقط (14) ، ليخطو بعد ذلك أولى خطواته تجاه شواطئ آسيا، وهو يحمل في جوانحه المعتقدات العنصرية للغرب، من قبيل نظرية التفوّق القائمة على قانون المركز والأطراف ونهب الثاني لحساب الأوّل، ومن قبيل أنّ الغرب هو موطن الحضارة؛ لذا فبريطانيا (رائدة الغرب) مدعوّة لحمل رسالة (الرجل الأبيض) ولقيادة (البرابرة) و (المتوحشين) نحو الحضارة! !
وليس من شك أنّ كلّا من هذه الاستعدادات والتصورات تنطوي على مهمّة سريّة ليست عادية، إذ ماعلاقة اللغة العربية بعلم الفلك؟ وماذا يربطهما بالطب؛ ليتعلمها بيركهارت في وقت واحد، وفي كمبردج صاحبة التأريخ العريق في المبادرات الاستعمارية، ومحاولات تشويه الإسلام؟ !
إنّ بعضاً من خفايا المشهد الخلفي لمهمة بيركهارت يتضح حينما نعلم أنّ بريطانيا كانت وقتئذٍ، مدفوعةً بحماية طرقها إلى الهند من جهة، ولموجهة المضايقة والنفوذ المتزايدين من فرنسا، أو محاولة إيقافه من جهة اُخرى إذ إنّ فرنسا، بعد هزيمتها في الهند، عملت على مضايقة الجزء الشرقي من الامبراطورية البريطانية باعتراض طرقها عن طريق مصر المسلمة، لكلّ هذا أخذت بريطانيا تظهر مزيداً من الاهتمام بالمشرق، ولا سيما مصر (15) .
وفي الوقت الذي كانت فيهِ شبه الجزيرة العربية تشهد احتدام المواجهة بين محمد علي باشا والوهابيين، الذين مدّوا سيطرتهم من نجد إلى الحجاز. .