231وأما الزيارة الثالثة. فقد جاء بأمرٍ عظيم. ألا وهو الأمر الإلهي ببناء الكعبة؛ لتكون مثابة للناس وأمناً ( وإذ يرفع إبراهيمُ القواعدَ من البيت وإسماعيلُ ربّنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) 1.
ولما فرغ إبراهيم وإسماعيل من البناء أتاه جبرئيل عليه السلام وأقاما مراسم الحج معاً؛ لتكون سُنّه للأَجيال القادمة، وعندها دعا إبراهيم الناس للحجّ ( وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلىٰ كلّ ضامر يأتين من كلّ فجٍّ عميق) 2.
اسماعيل عليه السلام
الذبح: عندما تقترن الزعامة بالنبوّة. تصبح لها نكهة خاصة، تجذب إليها النفوس الكريمة، وتهوي إليها الافئدة الطاهرة، ويقترب منها الصالحون. وعندما يختار اللّٰه سبحانه وتعالىٰ عبداً لحمل رسالته، يدخله في دورة من الابتلاءات والامتحانات حتىٰ تكتمل شخصيته، ويكون مؤهلاً لحمل الرسالة. وإسماعيل عليه السلام كان واحداً من أولئك العباد الصالحين، الذين اختارهم اللّٰه لرسالته، وادخله دورة تأهيلية لحمل النبوّة. ومن مفردات تلك الدورة قصة الذبح. حيث يرىٰ إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل ( يا بني إني أرىٰ في المنام أني أذبحك) 3ورؤيا الأنبياء صادقة كاليقظة. فيلبي إبراهيم أمر ربّه، وفي رحلة الحج أو غيرها يقف ابراهيم علىٰ إسماعيل وهو يصلح النبل للصيد، ليبلغ إسماعيل عليه السلام بالأمر الصعب. فهل يستجيب له كما استجاب في المرّات السابقة من الطلاق وبناء البيت والحج وغيرها؟ ( يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللّٰه من الصابرين) 4ويحاول إبراهيم أن ينفذ الأمر في ابنه ( فلما أسلما وتلّه للجبين) 5تنفيذاً لأمر اللّٰه وعندما وضع السكين علىٰ رقبته أدركتهُ الرحمة الإلهية فجاءه النداء الإلهي ( . . . أن يا ابراهيم * قد صدّقت الرؤيا إنّا كذلك نجزي المحسنين * وإنّ هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم) 6.
وانطلق إسماعيل يبدأ خطى الحياة من جديد. بعد أن أصبح مؤهلاً للزعامة