251أنه شبيه بها، بل كان في نظرهم نوعاً من الممارسة المباحة ومن التقاليد المتعارف عليها، إذ تغير قبيلة علىٰ اُخرىٰ بسبب عداوة بينهما، أو حتىٰ بسبب كونها أضعف منها، تأخذ إبلها وماشيتها ومتاعها، وتسبي نساءها وأولادها، فتتحفّز القبيلة المعتدىٰ عليها للأخذ بالثأر، وتتربّص بالأولىٰ، حتىٰ إذا واتتها فرصة سانحة، انقضّت عليها لتغزوها بدورها، وتسلبها ما تملكه، ثأراً منها لما فعلته بها. ومما درج عليه العرب أنهم يحتفظون بالسبي من نساء وأولاد، حتىٰ ترسل قبيلتهم الفدية التي تطلبها القبيلة المنتصرة، كما كان المغيرون يتحاشون جهد استطاعتهم إراقة الدماء 1. .
فالبيئة البدوية بيئة غزو وغارات، وماذلك إلّالأن الصحراء قليلة الموارد شحيحة بالنبات. فالقبيلة التي تشعر بأنها لا تملك ما يؤمن لها موارد الرزق والمعيشة، ترىٰ من حقّها أن تأخذ ممّن يملك، حتىٰ أصبح الغزو جزءاً من عقلية البدوي وطبعه.
التجارة في الحضر:
يختلف الأمر بالنسبة للحضر، ذلك أن التجارة هي التي حظيت بالاهتمام في المجتمعات الحضرية، فأقبل القوم عليها إقبالاً شديداً إلىٰ درجة أن المؤرخ اليوناني (سترابون) الذي اهتم بأحوال العرب في الجاهلية، كان يرىٰ أن كلّ عربي فيها تاجر أو دليل 2. ويقول (درمنجهايم) : إن العرب كانوا الروّاد الأوائل للتجارة العالمية، ولم يكن باستطاعة (الرومان) القدماء الاستغناء عنهم في هذا الميدان. وبلغ من أهمية التجارة لديهم، أنّ الملوك والزعماء كانوا أحياناً تجاراً، فملوك المناذرة كانوا يرسلون (القوافل التجارية) الىٰ أسواق الحجاز في كلّ عام، كما كان ولاة الأمر في تدمر قد مارسوا التجارة، وكذلك عَلِيّة قريش ورؤساؤها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرىٰ فان التجارة كانت العامل الهام في نشوء دولة الشمال العربي. وكان أثرها كبيراً علىٰ أوضاع دول الجنوب العربي، من حيث