195الخبر متأخر زماناً عن الأخبار السابقة، فإنها أفادت أن الأثر في الحجر كان عند نداء إبراهيم للحجّ ثمّ حجّ مع ابنه إسماعيل وقرّبه للذبح وهو غلام لم يتزوّج بعد، وأمّه هاجر موجودة، وفي هذا الخبر أن إبراهيم عليه السلام أتاه وقد هلكت أمّه هاجر.
فأثر قدمي إبراهيم عليه السلام في الحجر كان سابقاً قبل سفره هذا، وتأثير قدميه اليوم تحصيل للحاصل الباطل.
وفي الخبر من الاستبعاد المضاعف - غير ما مرّ - أن إبراهيم عليه السلام كان يأتي كلّ يوم إلىٰ مكة من الحيرة! ولا يشفع له الخبر الآخر عن عبدالرحمان بن الحجّاج، فهو لا يرفع الاستبعاد عن أسفاره كلّ يوم بل إنما عن سفرة واحدة؛ فلا يقول: كانت تطوىٰ له الأرض، بل: طويت له الأرض، تعقيباً لقوله: إن إبراهيم عليه السلام استأذن سارة أن يزور إسماعيل بمكّة. ولو كانت أسفاره متكرّرة فلِمَ لَمْ تعرفه امرأة ابنه إلّاأنه شيخ، كما في الخبر؟ ! ثم إن لم تعرفه فكيف عرضت عليه أن تغسل رأسه وسوّغ لها ذلك ولم يستنكره منها؟ !
والحيرة كلّ الحيرة في الحيرة في الخبر؟ إذ لم نعهد الحيرة إلّافي العراق، ولم نعهد إبراهيم يومئذٍ إلّافي الشام فأين الحيرة؟ !
فكل هذا الاستبعاد يبعدنا عن التصديق بهذا الخبر بإزاء الأخبار السابقة الموثوقة.
وهل تغيّر موضعه ومحلّه؟
روى الكلينيّ في «فروع الكافي» والصدوق في «كتاب من لا يحضره الفقيه» بإسنادهما عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتىٰ حوّله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم.
فلمّا فتح النبيّ صلى الله عليه و آله مكّة ردّه إلى الموضع الذي وضعه فيه إبراهيم عليه السلام، فلم يزل هناك إلىٰ أن ولي عمر بن الخطاب، فسأل الناس: مَن منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟ ! فقال رجل: أنا، قد كنت أخذت مقداره بنسع ( \ قيد من جلد) فهو عندي!