174من طبيعة مواجهتها مع «الطرف الآخر» ، (المتوحّش) و (المتخلّف) و (الأدنىٰ) منزلة، اُختزل ثراء الحضارة الإسلامية الىٰ صورة «وضيعة» ، وذلك لتبرير الدوافع السياسية والاقتصادية وخدمتها. وبدأ اوروپا الغربيّة، التي لم تعد في حالة دفاع ضد التهديد الإسلامي - على الأقل ليس إلى الدرجة التي سادت خلال العصور الوسطىٰ - بدأت تهتم اهتماماً من نوع جديد بالشرق، وقد أوحت بهذا الاهتمام الروحية الجديدة الناشئة عن مذهب التجارة من جهة، والتنافس السياسي والاقتصادي في الداخل من جهة اُخرىٰ» 1.
ومع أنّ الاهتمام الأوروپي، ثم الأمريكي، بالشرق كان سياسياً تبعاً لبعض المسارد التاريخية الواضحة التي أوردها «ادوارد سعيد» في كتابه «الاستشراق» ، لكن الثقافة كانت هي التي خلقت ذلك الاهتمام، والتي فعلت بحيوية ديناميكية جنباً إلىٰ جنب مع المعقلنات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية 2. . .
وإلىٰ جانب هذه التطورات ، بدأت مجموعات من التجار والرحالة بالوصول كذلك إلى الشرق لأغراض مختلفة، إذ كان بعضهم مرسلاً ببعثات دبلوماسية أو تجارية، وبعضهم من المغامرين أو من المبشرين بدين آخر، وبينما كان بعض الرحالة والتجار يختلقون الأوهام حول العرب، وهي أوهام سادت في بواكير القرن السابع عشر، كان العلماء منهمكين كذلك في دراسة الأدب والفكر العربيين وترجمتهما إلى الانكليزية. . . وعلى الرغم من أهميّة تلك الدارسات العربية، فإن الاتجاهات الهجوميّة القديمة - الجديدة نحو الإسلام قد طغت علىٰ أكثر أعمالهم 3.
وليس من شك، أن الاسلام لم يصبح رمزاً للرعب، والدمار، والشيطاني، وأفواج من البرابرة الممقوتين، بصورة اعتباطية. فبالنسبة لأوروپا، كان الإسلام رجّة مأساوية دائمة. وحتىٰ نهاية القرن السابع عشر كان «الخطر العثماني» متربصاً بأوروپا ممثلاً بالنسبة للحضارة المسيحية كلها تهديداً دائماً، ومع مرور الزمن امتصت الحضارة الأوروپية هذا الخطر وأحداثه العظيمة، وخبراته الموروثة،