94الأفواج التي تقاطرت من كلّ مكان، علىٰ اختلاف لغاتها وألوانها وأعراقها، ثمّ ظهرت بمظهر واحد، لتشغل بمعرفة أنفسها، وعالمها، وربّها.
وهناك نقطة أُخرىٰ جديرة بالتأمّل في صحراء عرفات، وهي أنّها تصوّر لنا عرصات المحشر، فإذا بالحاجّ - حيث تتمثّل يعينه صور القيامة والحساب - يستغرق في حالة من الانقطاع والتضرّع، تجعل منه - بحقّ - إنساناً آخر، إنساناً متعالياً متكاملاً، قد أقبل على الآخرة، وكان أهلاً لوصال الحبيب والتشرّف بدخول الحرم.
المشعر الحرام:
فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا اللّٰه عند المشعر الحرام 1.
هذه الآية الكريمة تعني الحجّاج الذين أفاضوا إلى المشعر الحرام غروبَ اليوم التاسع من ذي الحجّة.
وللمشعر لون وعطر وإشراق، وله جاذبيّة خاصّة، وحالة خاصّة، فالمشعر حرم، وعرفات ليست من الحرم.
وأنت - أيّها الحاجّ - تحرم من حرم إلىٰ حرم - ولكي تكون مؤهّلاً لدخول الحرم، فإنّك عدت إلىٰ معرفة ذاتك، وأعدت بناءها خارج الحرم في صحراء عرفات، وهنا أنت تعزم - ليلاً - على الرحيل إلى حرم اللّٰه، فالمشعر حرم، ومنىٰ حرم، ومكّة حرم، وتطلب الإذن بالدخول مرحلة بعد مرحلة.
وها أنت تقضي ليلتك في المشعر الحرام بذكر اللّٰه، طبقاً لهذه الآية المباركة وللسنّة، وجرياً على السيرة المتعارفة، وتعدّ ما استطعت من قوّة وسلاح لمقارعة الشيطان. ومن السنّة أن تقوم بجمع أحجار الرمي من أرض المشعر الحرام، وهذا التشريع إعداد للأفراد من أجل مواجهة العدوّ، ويكون ذلك ليلاً وفي صمت، في الخفاء أو نصف الخفاء، وهذه الحالة من الخفاء أو نصف الخفاء محسوسة بالكامل لمن كانوا ليلةَ العاشر في