91الإحرام يجسّد الحرم الإلهيّ الآمن في وجوده، ويعلن أنّ حدود وجوده منطقة محرّمة، منطقة صلح وسلام وأمن وأمان.
وهذا هو واقع الأمر؛ إذ يحرم على الحاجّ - بعد الإحرام - ارتكاب أربعة وعشرين شيئاً، فلا يجوز له حتّىٰ قطع شعرة من شعره، ولا يجوز له قلع واحد من أسنانه، ولا إخراج الدم من بدنه وبدن غيره، وليس له الحقّ في أن يتعرضّ لحيوان في الحرم ولو كان حشرة استقرّت علىٰ بدنه أو ثيابه، ويحرم عليه أن يجادل أحداً بقول:
«بلى واللّٰه، ولا واللّٰه» ولو كان غير حاجّ، إلىٰ غير ذلك.
ولا يحقّ له - من ناحية أخرىٰ - أن يدور علىٰ محور الشهوة، بل ليس له الحقّ في أن يحوم حول مقدّماتها؛ كالخطبة لنفسه وغيره، وإجراء العقد كذلك، فلا يجوز له النظر بشهوة، ولا العمل الشهوانيّ (ولو كان محلّلاً قبل الإحرام) ، بل يمنع حتّىٰ من التعطّر، وشمّ الروائح الطيّبة، وسدّ أنفه عن الروائح المنتنة، والاستظلال من الشمس، وتغطية رأسه، و. . .
وليس المقصود أن نقوم بتعداد كلّ محرّمات الإحرام، ولكنّا نريد من وراء ذلك تجسيد تلك الحالة المفعمة بالروحانيّة والتنزّه التي تستغرق كيان المحرم، فتجعل من وجوده حرماً إلهيّاً آمناً.
ونقول باختصار: إنّ الحاجّ - بعد الإحرام - يجد نفسه ملائكيّ الصفات، طاهراً من شوائب المادّة، من الشهوة والغضب، ومن كلّ ما يمثّل حيوانيته.
ومثل هذه الحالة لا يعفوها النسيان، بل تبقىٰ ملازمة لذاكرة الإنسان، منبعاً للمُثُل ومصدراً للموعظة، في جميع مستقبله، ولابدّ لتربية الإنسان - من سلوك طريقة تبقىٰ حيّة في ذاكرته على الدوام، ولهذا أُمر الحاجّ بمفارقة لباسه المخيط، حيث يخلع عن بدنه لباسه المعتاد، ويكتفي بقطعتين من لباس أبيض بسيط، علامةً علىٰ مفارقته لكلّ العلائق والروابط، وإعراضه عن كلّ مظاهر